الاثنين 02 تشرين أول 2023

أخبار حقوقية-المنتدى القانوني

في ظل حكومة تصريف الاعمال : اقرار الموازنة ممكن، لكن المساس بأنظمة الوظيفة العامة غير مشروع

في ظل حكومة تصريف الاعمال : اقرار الموازنة ممكن، لكن المساس بأنظمة الوظيفة العامة غير مشروع

الدكتور مروان القطب

التاريخ ,

كثر الحديث في الاونة الاخيرة، عن صلاحية حكومة تصريف الاعمال في اقرار مشروع الموازنة العامة بصيغته النهائية. فهل تستطيع الحكومة ان تقوم بذلك؟ وهل الظروف الاستثنائية تخولها اجراء هذا التصرف؟ وهل مواجهة الظروفةالاستثنائية يستدعي تعديل انظمة ادارية تشكل جزءا من سياسة الدولة؟

ان نشاط الحكومة في ظل تصريف الاعمال محكوم بالمادة (64) من الدستور التي تنص في البند (2) منها على ان «لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة الا بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال». اي يقتضي التقيد بالمفهوم الضيق لتصريف الاعمال، وفي هذا الاطار ميز الاجتهاد الاداري اللبناني بين نوعين من الاعمال، اعمال عادية تستطيع الحكومة القيام بها، واعمال تصرفية لا تستطيع القيام بها.

اما الاعمال العادية والتي يمكن للحكومة القيام بها فهي  الأعمال اليومية التي يعود إلى السلطات الإداريّة إتمامها، ويتعلّق إجراؤها في الغالب على موافقة هذه السلطات كتعيين ونقل الموظفين وتصريف الأعمال الفردية التي لا يمارس عليها الوزير سوى إشراف محدود ، اي الاعمال العادية الروتينية التي تقتضيها استمرارية تشغيل المرفق العام باضطراد وانتظام.

واعتبر مجلس شورى الدولة ان الاعمال العادية هي “القيام بالأعمال التي لا ترتبط بسياسة الدولة العليا والتي ليس من شأنها تقييد حرية الحكومة اللاحقة في انتهاج السياسة التي تراها أفضل…” (مجلس شورى الدولة، قرار رقم 700 تاريخ 15/5/1995، منصور حنا هنود/الدولة).

اما الاعمال التصرفية والتي لا يجوز للحكومة القيام بها "فهي الاعمال التي ترمي الى احداث اعباء مالية جديدة أو التصرف باعتمادات هامة أو إدخال تعديل جوهري على سير المصالح العامة وفي اوضاع البلاد السياسية والاقتصادية".

ما يعني ان الاعمال التصرفية هي الاعمال التي تتضمن تعديلا جوهريا على سير المصالح العامة وفي اوضاع البلاد السياسية والاقتصادية، وهي التي ترتبط بسياسة الدولة العليا، وهي الاعمال التي من شأنها تقييد حرية الحكومة  اللاحقة في انتهاج السياسة التي تراها أفضل.

ان المواد التي وردت في مشروع الموازنة العامة للعام ٢٠٢١ فيها مساس بنظام الوظيفة العامة بمفهومه الشامل والمرتبط بكل العاملين في القطاع العام من ملاكات ادارية وتعليمية وجامعية وقضائية وعسكرية، وفيها تعديل جوهري للسياسات المعتمدة تاريخيا من حيث انظمة الوظيفة العامة والتقاعد، ويلزم الحكومات اللاحقة بسياسات قد لا تكون هي الافضل.

اذا هي اعمال تصرفية وليست عادية وتخالف المعنى الضيق لتصريف الاعمال وتشكل مخالفة للدستور اللبناني لا سيما المادة ٦٤ منه.

بعض الاراء التي نشرت في الاعلام ذهبت الى مشروعية اقرار الموازنة العامة من قبل حكومة تصريف الاعمال، بالاستناد الى نظرية الظروف الاستثنائية، والى اجتهادات لمجلس شورى الدولة تقر  القيام بالأعمال التصرفيّة في الظروف الإستثنائيّة حصرًا، على اعتبار ان "الأوضاع الإستثنائية التي تتعلّق بالنظام العام وأمن الدولة الداخليّ والخارجيّ تسمح للحكومة المستقيلة وليس للوزير او الوزراء منفردين باتخاذ تدابير ضرورية تخرج عن تصريف الأعمال".

وبالتالي في حال كانت الظروف الاستثنائية تستوجب وجود موازنة نظامية من اجل انفاق الاعتمادات لمواجهة هذا الظرف فان اقرار الموازنة يكون مشروعا وصحيحا.

 الا ان نظرية الظروف الاستثنائية التي اقرها الاجتهاد الفرنسي تعتبر ان الضرورة تقدر بقدرها، وبالمقدار اللازم لدفع هذه الظروف، واكدت ضرورة تناسب الاجراء المتخذ مع الظرف الاستثنائي الذي تواجهه الادارة، وقضت في احد قراراتها الشهيرة الصادرة في العام ١٩٥٨ بانه " على الرغم من اعتبار الحرب والآثار الناشئة عنها في الهند الصينية تمثل ظرفا استثنائيا الا ان هذه الصعوبات ليس من شأنها تبرير قيام مندوب فرنسا في هذه البلاد (المستعمرة وقتئذ) بانشاء نظام خاص للضمان الاجتماعي للاسر... " C.E  13 janvier 1958 , chambre  syndicate du commerce. REC. P63

وهذا يدل على انه وان كان من الضروري وجود موازنة عامة من اجل نظامية الانفاق المالي، في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر فيها البلاد، ما يجعل اقرار مشروع الموازنة العامة ممكنا في ظل حكومة تصريف اعمال، شرط ان لا تتجاوز الحكومة مقتضيات الظروف الاستثنائية. الا ان تعديل سياسات الدولة الادارية يخرج عن نطاق هذه الظروف، ويدخل في نطاق الاعمال التصرفية التي لا يجوز القيام بها من قبل حكومة تصريف اعمال. 

كما انه لا يجوز استخدام الحاجة الى وجود موازنة عامة من اجل تمرير نصوص قانونية مجحفة بحق شرائح كبيرة من المواطنين، ولا يجوز تضمين الموازنة العامة بنودا لا علاقة لها بالتنفيذ المباشر لها، وفقا لمفهوم "فرسان الموازنة" الذي يعني عدم جواز ادراج اي مادة قانونية في قانون الموازنة الا اذا كانت على علاقة مباشرة بتنفيذها، حيث اعتبرت قرارات المجلس الدستوري اللبناني التي لها حجية مطلقة وملزمة للمشرع وللادارة، ان هذه مواد غير دستورية وقابلة للابطال امامه.
(قرار المجلس الدستوري رقم 2  تاريخ: 14/5/2018)

 واخيرا فان تعديل انظمة الوظيفة العامة والتقاعد لا يستدعيه دفع الظروف الاستثنائية، بل ان اقرار هذه التعديلات يشكل خروجا على قواعد المشروعية الاستثنائية، وان كانت هذه المشروعية تستدعي اقرار مشروع الموازنة من اجل انتظام المالية العامة، لكنه لا يستدعي اقرار تعديلات جوهرية لانظمة الادارة التي تحتاج الى التروي وحسن الدراسة والبحث عن الخيارات التي تحقق الصالح العام.