لا صيد ثميناً في خانيونس: إسرائيل تهرب إلى «حرب الكذب»
يواصل العدو ادّعاءه بحصد إنجازات «استراتيجية» في قطاع غزة، هي في واقعها ليست سوى إنجازات تكتيكية، لا تعني في أي حال من الأحوال سوى فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب: القضاء على «حماس»، واستعادة الأسرى، و«تغيير الواقع» في اليوم التالي. وادّعى وزير الجيش، يوآف غالانت، الذي دأب طوال مدة الحرب على تسويق «انتصارات» سرعان ما بان للجمهور، وكل مراقب، كذبها، بأن رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في القطاع، يحيى السنوار، بات «خارج الاتصال» منذ أسابيع، وبأن «قيادة الحركة في الخارج تبحث عن بديل له يدير غزة»، مضيفاً، في جلسة تقييم في مقرّ القيادة الجنوبية أمس، أن «عدم وجود قيادة محلّية للتواصل والاستجابة، دفع القيادة الخارجية إلى البحث عن رأس داخلي جديد». كما ادّعى غالانت، وفق ما نقل عنه موقع «واينت» العبري، بأن «كتيبة خان يونس هُزمت، ولم تعد تعمل ككيان عسكري بأي شكل، ولم يتبقَّ لحماس سوى قوّات هامشية في مخيمات الوسط، إضافة إلى كتيبة رفح، وما يحول دون انهيارها الكامل كجهاز عسكري، هو قرار من الجيش الإسرائيلي».ويأتي كلام غالانت، في ضوء استمرار الاستعدادات الإسرائيلية لاجتياح مدينة رفح – على رغم التحذيرات الدولية من المجازر التي يمكن أن يتسبّب بها هذا الاجتياح -، بحثاً عن صورة إنجاز لا يزال بعيداً. وإذا كان الجيش الإسرائيلي قد استطاع فعلاً الانتهاء من عمليته في خانيونس، عبر تحقيق هدفها المتمثل في «القضاء» على كتيبة المقاومة هناك، فأين هم إذاً الأسرى وقادة «حماس» الأساسيون، وفي مقدّمتهم السنوار؟ إذ لم ينسَ أحد بعد، كيف أعلن قادة الكيان، من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه، إلى صفّ طويل من القادة السياسيين والعسكريين، أن معظم الأسرى نُقلوا إلى خانيونس، وأنهم موجودون في الأنفاق الكائنة تحت المدينة، هم وقادة «حماس» الأساسيون، وخصوصاً السنوار، المتحدّر من مخيم خانيونس، والذي يفضّل المدينة هذه على غيرها في القطاع، بحسب ما روّج الإعلام الإسرائيلي حينها. وما سبق، يدلّل على أن إسرائيل تكرّر معزوفتها الكاذبة مرة بعد أخرى، كما فعلت في شمال القطاع ووسطه، عندما أعلنت القضاء على المقاومة هناك، ثم وبعد انسحاب جزء من قوات الجيش، سرعان ما عادت المقاومة إلى مهاجمة المواقع التي استقرّت فيها القوات الإسرائيلية، والتصدّي للقوات التي عادت وتوغّلت في الشمال، بل وإطلاق الصواريخ نحو مستوطنات «الغلاف» أيضاً. وبالتوازي مع الادّعاء الخاص بخانيونس، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن «اتفاق بشأن الخطوط العريضة لعودة سكان سديروت ومستوطنات النقب الغربي» قرب غزة، في حين يجري الحديث عن بدء عودة هؤلاء إلى المستوطنات مع بداية الشهر المقبل. أما على صعيد ملف الأسرى والمفاوضات، فقد قرّر نتنياهو إلغاء الاجتماع مع ممثّلي عائلات الأسرى، والذي كان مقرّراً اليوم، بعدما طالب هؤلاء بعقد اللقاء طوال الأسبوع الماضي، علماً أن تظاهرات كبيرة خرجت في عدة مدن في الأراضي المحتلة، ليل السبت – الأحد، طالبت بإبرام صفقة تبادل في أسرع وقت ممكن، ورفع بعض المشاركين فيها شعارات تطالب باستقالة الحكومة. وفي سياق متصل، أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن «وفداً إسرائيلياً برئاسة رئيس جهاز الموساد ورئيس مجلس الأمن القومي، توجّه إلى العاصمة القطرية الدوحة، في سبيل إحداث اختراق جديد في صفقة التبادل»، في حين ذكرت وسائل إعلام عبرية أن «مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، سيصل إلى القاهرة خلال الأيام القادمة، في محاولة للتوصّل إلى صفقة تبادل».
أعلن نتنياهو مدعوماً من شريكيه في «مجلس الحرب» غانتس وأيزنكوت، رفض الاعتراف الأحادي بدولة فلسطينية
ويأتي ذلك فيما تستمر الخلافات داخل «مجلس الحرب»، والحكومة الأمنية والسياسية الموسّعة، لا على الحرب وإدارتها والمفاوضات المتصلة بها فقط، بل ربطاً أيضاً بإدارة الفترة المقبلة، في القدس والضفة الغربية والداخل المحتلّ، إذ حذّر الجيش الإسرائيلي و«الشاباك» من أن القيود المفروضة على المصلّين في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، «يمكن أن تشعل المنطقة»، بينما أفادت «القناة 13» العبرية بأن «نتنياهو قرّر الموافقة على قرار وزيره، إيتمار بن غفير، منع دخول فلسطينيّي القدس والداخل، ممن هم دون 50 عاماً، إلى المسجد الأقصى خلال رمضان». لكنّ القناة نفسها أشارت إلى «خلافات اندلعت في اجتماع مجلس الحرب الأخير»، حيث هاجم غالانت، نتنياهو، وقال: «رئيس الوزراء تجاوز المستوى الأمني، ونتيجة لذلك وقعت أخطاء». كما انضمّ بني غانتس إلى الانتقادات ضدّ نتنياهو، وقال: «هذه ليست وحدة ولا حكومة، وهذه ليست الطريقة التي نعمل بها». وبعد تداول معلومات حول موافقة نتنياهو على مقترح بن غفير، خرج بني غانتس، ليقول: «لم يُتّخذ قرار بعد بخصوص شكل القيود على صلاة المسلمين في الأقصى خلال رمضان»، ما يؤكّد الخلافات العميقة حول هذه المسألة.
من جهة أخرى، واصلت إسرائيل، بإجماع حكومتها، تحدّي العالم، من خلال اتّخاذ قرار بمعارضة أي اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية، وذلك على رغم أن السياسة الأميركية المُعلنة لا تفتأ تدعو إلى «حلّ الدولتين». وفي هذا الشأن، أعلن نتنياهو، مدعوماً من شريكيه في «مجلس الحرب»، غانتس وغادي أيزنكوت، أن «أي قرار يجب أن يأتي نتيجة مفاوضات مباشرة بلا أي شروط مسبقة، بين إسرائيل والفلسطينيين». وجاء هذا الموقف رداً على تقرير في صحيفة «واشنطن بوست» الأسبوع الماضي، عن خطّة أميركية لتسريع الاعتراف بدولة فلسطينية، إضافة إلى تقارير أخرى جرى تداولها في وسائل الإعلام العبرية، حول إمكانية قبول نتنياهو بالاعتراف بدولة فلسطينية، مقابل تطبيع «تاريخي» مع السعودية. وخلال حديثه نفسه، أشار نتنياهو إلى «(أننا) نترقّب إطلاق سراح من تبقّى من الأسرى الأحياء، وهذا يمكن تحقيقه عبر عملية عسكرية ومفاوضات صارمة». وأضاف: «دمّرنا ثلاثة أرباع كتائب حماس القتالية خلال عمليتنا العسكرية في غزة». كما ردّ رئيس الحكومة الإسرائيلي على اتّهام الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، إسرائيل، بارتكاب «إبادة» بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة، وتشبيهه ما تقوم به الدولة العبرية بـ«محرقة اليهود» إبّان الحرب العالمية الثانية. وقال نتنياهو: «الرئيس البرازيلي شيطن الدولة اليهودية، وعليه الشعور بالعار». كما قال إن «تصريحات رئيس البرازيل مخزية وخطيرة (…) وتقلّل من شأن المحرقة وتحاول المس بالشعب اليهودي وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، فيما استدعت الخارجية الإسرائيلية السفير البرازيلي في الكيان، لتوبيخه.
المصدر:”الأخبار”