صنعاء تترقّب «المعركةَ الكبرى»: لإنهاء عسكرة البحر الأحمر
صنعاء | يتردّد الحديث كثيراً في صنعاء، على لسان قيادات عسكرية وسياسية، عن «المعركة الكبرى» ضد الوجود الأميركي والبريطاني، من دون تحديد مسرح العمليات المفترض. إلا أن استعدادات «أنصار الله» العسكرية، والتي بدأت منذ دخولها على خط «طوفان الأقصى» أواخر تشرين الأول الماضي، تؤكد ذلك. وتقول مصادر، لـ«الأخبار»، إن المعركة البحرية والجوية مع العدوان الثلاثي الإسرائيلي – الأميركي – البريطاني تصاعدية، وتتميّز بالتغيير المستمر والهجمات النوعية، وتُستخدم فيها عوامل المفاجأة المُربِكة للعدو. وتتوقّع المصادر أن «تتجاوز المعركة مسرح المواجهات الحالي في البحر الأحمر وخليج عدن، وقد تشمل قواعد عسكرية أميركية في دول عربية استخدمتها واشنطن في عملياتها العسكرية ضد اليمن». وتضيف أنه عبر التجربة الخاصة بـ«أنصار الله»، يتبيّن أن كل عملياتها العسكرية السابقة والحالية مدروسة بشكل دقيق، وتتحوّل إلى فرصة أمام الحركة لتطوير الصناعات العسكرية، بما يتناسب مع مسرح العمليات والقوات التي يمتلكها العدو.وتنقل وسائل إعلام أميركية، بين الفينة والأخرى، عن مسؤولين في «البنتاغون»، حديثهم عن تمكّن «أنصار الله» من تعمية الأميركيين بشأن نوعية أسلحتهم وتقنيّتها. ويُفاجأ هؤلاء بأن الأسلحة المستخدمة من قبل قوات صنعاء البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن متعدّدة الطرازات، وبعضها يمكنه تجاوز منظومات الدفاع الجوي الأميركية والبريطانية والألمانية. وظهر ذلك بوضوح، بحسب مراقبين، في الضربة التي وجّهتها تلك القوات إلى الفرقاطة الألمانية «هيسن»، وهي واحدة من ثلاث مدمّرات متخصّصة من فئة «ساكسونيا» المضادة للطائرات، ويُطلق عليها «مدمّرة الصورايخ الموجعة» بحسب صحيفة «دي فيلت» الألمانية، خاصة أن الفرقاطة المذكورة، والتي قيل إنها تمتلك قدرة على الاستطلاع الراداري الذي يكتشف 1000 هدف في الوقت نفسه، فشلت في تحديد مواقع انطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، ولم تكتشف طائرتين مسيّرتين يمنيّتين إلا على بعد أميال قليلة من الفرقاطة، ما دفع بالألمان إلى استخدام المدفعية القصيرة المدى في مواجهتهما.
ورغم أن صنعاء أكدت مراراً وتكراراً أن الطائرات المسيّرة بمختلف طرازاتها صُنعت بأيدٍ يمنية 100%، إلا أن الأميركيين ظلّوا يتّهمون إيران بتزويد الحركة بها. وتقول مصادر مقربة من «أنصار الله» إن العمليات العسكرية التي نفّذتها خلال الأشهر التي أعقبت «طوفان الأقصى»، تزيد على 100 عملية معلنة وغير معلنة، استخدمت فيها نحو 400 صاروخ وطائرة مسيّرة. وتضيف المصادر أنّ 90 عملية نُفّذت ضد سفن تجارية إسرائيلية وأخرى تجارية وعسكرية أميركية وبريطانية في البحر الأحمر وخليج عدن، ونحو 14 عملية معلنة نفّذت بطائرات مسيّرة وصواريخ باليستية بعيدة المدى في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلاً عن بعض العمليات غير المعلنة.
التورّط الأميركي يتّجه نحو منحنى جديد سوف يطيل أمد المواجهة
ويرجّح مراقبون في صنعاء أن تتواصل المعركة مع القوات الأجنبية الأميركية والبريطانية حتى إنهاء عسكرة البحر الأحمر وسحب القوى الغربية كل بوارجها ومدمّراتها وحاملات طائراتها، فضلاً عن إلغاء كل الإجراءات الأخرى التي اتُّخذت ضد اليمن على خلفية موقفه المساند للشعب الفلسطيني ومقاومته.
والواقع أن الكثير من المؤشرات تفيد بأن التورّط الأميركي يتّجه نحو منحنى جديد سوف يطيل أمد المواجهة، وبأن واشنطن لم تستوعب الدرس، رغم فشل كل الأوراق التي استخدمتها لتأليب العالم على صنعاء، وكل الخيارات العسكرية التي لجأت إليها، بما فيها الهجمات الجوية التي نفّذتها بالشراكة مع القوات الجوية البريطانية، على تسع محافظات يمنية وبلغ عددها أكثر من 400 غارة حتى الآن، فضلاً عن فشلها في استغلال حادثة غرق السفينة البريطانية «روبيمار» التي كانت تحمل شحنة مواد كيميائية، في البحر الأحمر الأسبوع الماضي، تحت عنوان التهديد البيئي. ومع ذلك، تحاول واشنطن استثمار استهداف قوات صنعاء السفينة الأميركية «ترو كونفيدنس»، مساء الأربعاء الماضي، بعد رفض طاقمها التحذيرات الشفهية والنارية في خليج عدن، للحصول على تأييد من الكونغرس يمنحها تفويضاً باستمرار عملياتها ضد اليمن، وكذلك لإقناع الرأي العام الأميركي الداخلي بـ«خطورة» ما يحدث في البحر الأحمر، خشية انعكاس العمليات على الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعدما أثّر موقف إدارة جو بايدن المساند لإسرائيل في حربها على غزة، على شعبيته لمصلحة الرئيس السابق، دونالد ترامب. أيضاً، عكس حديث مسؤولي البيت الأبيض خلال اليومين الماضيين، رغبةً في كسر العزلة الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر، ودفْع المزيد من الدول إلى المشاركة في تحالف «حماية الازدهار»، الذي أثبتت صنعاء أنه تحالف لحماية الملاحة الإسرائيلية، و لا علاقة له بالأمن الملاحي الدولي، وفنّدت خلال الأسابيع الماضية الرواية الأميركية عبر التواصل مع مختلف دول العالم وشركات الملاحة الدولية، وسمحت لكل السفن التجارية وناقلات النفط التي لا علاقة لها بإسرائيل وأميركا وبريطانيا بالمرور الآمن من مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
ووفقاً للمعلومات الأولية عن مصير «تروكونفيدنس»، تبيّن وجود رغبة أميركية في ترك السفينة تمضي نحو مصير «روبيمار»، لتحويلها إلى ورقة جديدة للتصعيد العسكري. إذ أكد أكثر من مصدر ملاحي، لـ«الأخبار»، أن السفينة السائبة رُصدت مساء أول من أمس وهي تحترق، بعد 30 ساعة من استهدافها، وأن صوراً جوية حديثة أكدت تصاعد أعمدة الدخان منها إلى نحو خمسة كيلومترات فوق البحر.
المصدر:”الأخبار”