دراما الانتخابات تزداد هبوطاً | بايدن – ترامب: حرب كلاميّة بلا محظورات
يَظهر أن الخطاب الرابع والأخير عن «حال الاتحاد» الذي ألقاه الرئيس الأميركي، جو بايدن، لاقى استحساناً في أوساط النخب السياسية والرأي العام داخل الولايات المتحدة، حيث تجاوز عدد متابعيه داخل البلاد 30 مليوناً، بعدما نجح في تحويل المناسبة «الوطنية» إلى منبر دعائي وانتخابي، موجّه أساساً إلى جمهور عدد من الولايات المتأرجحة. وقد عمد من خلاله، إلى مهاجمة سلفه دونالد ترامب، إذ وصفه، من دون أن يسمّيه، بـ»الخطير»، سواء على «الديموقراطية الأميركية» أو على وحدة «حزب لينكولن الذي أصبح رمزاً للتطرف الرجعي والنهج الانفعالي»، إلى جانب تفنيده سياسات الجمهوريين بمستويات متفاوتة من المعقولية والإقناع، ولا سيما في ملف الهجرة، حين اتّهم خصومه في الكونغرس بعرقلة إقرار قانون لضبط الوضع الأمني على الحدود مع المكسيك، معتبراً أنهم يفضّلون «التعارك على إصلاح وضع الحدود»، والقبول بأن يكونوا «دمى» في يد ترامب. ومع بدء الانتخابات التمهيدية في عدد من تلك الولايات، التي كانت قد رجّحت فوز بايدن على ترامب، بفارق وصل إلى سبعة ملايين صوت في انتخابات عام 2020، يبدو «السباق الرئاسي» بين الرجلَين مرشّحاً للدخول في مرحلة «تصعيد كلامي» أكثر سخونة.
خطاب «حال الاتحاد»: استراتيجية انتخابية جديدة لبايدن؟
مستحضراً الإرث «السلبي» للعهد السابق، في المسائل المتّصلة بـ»الديموقراطية»، عبر إشارته إلى أن ترامب ومؤيديه يسعون إلى «دفن الحقيقة في شأن أحداث 6 يناير (اقتحام الكونغرس)»، وقوله إنّه «منذ عهد الرئيس (أبراهام) لينكولن والحرب الأهلية، لم تكن الحرية والديموقراطية مُعرضتَين للهجوم في الوطن كما هي الحال اليوم»، في موازاة التصويب على «التركة الاقتصادية» للعهد السابق، التي تمثّل هاجساً لدى قطاع واسع من الأميركيين، بدا الخطاب عن «حال الاتحاد»، وفق محلّلين، بمثابة خطوة عملية لتدشين «استراتيجية انتخابية شعبوية» لحملة بايدن، تتقاطع في نواحٍ كثيرة مع حملة ترامب، بالنظر إلى تبنّيها منحى أكثر هجومية. وقد باتت، كما في المرّة السابقة، تتمحور حول شخص ترامب، وتستثمر في التخويف من سلوكه السياسي المثير للجدل، بوصف ذلك «سلاحاً سياسياً ناجعاً» لحصد المزيد من المؤيدين في صفوف المستقلّين والمتردّدين في الانتخابات الرئاسية المقرّرة أواخر العام الجاري.
يبدو «السباق الرئاسي» بين بايدن وترامب مرشّحاً للدخول في مرحلة «تصعيد كلامي» أكثر سخونة
وعلى مدى الأيام الماضية، شكّل حضور بايدن لعدد من الفعاليات الانتخابية في عدد من الولايات المتأرجحة، والتي كانت حملته قد أعلنت تخصيص حوالي 30 مليون دولار لإعلانات تلفزيونية فيها، مناسبة للتأكيد على هذا الخطاب التخويفي، والهجومي ضدّ خصمه الجمهوري. ففي ولاية بنسلفانيا، خاطب الرئيس الحالي، جمهوره، يوم الجمعة الفائت، بالقول إن «ترامب ومؤيديه من الجمهوريين المحسوبين على جناح «ماغا»، يحاولون سلب حريّاتنا»، متعهداً بعدم السماح بذلك. كما حاول بايدن، متوجّهاً إلى الناخبين في الولاية، التي تُعدّ المحطة الأولى له ضمن جولة مقرّرة له ولنائبته، كامالا هاريس، خلال الشهر الجاري، إلى جميع تلك الولايات التي ستشهد منافسات انتخابية، وتشمل أيضاً جورجيا ونيوهمبشير، وويسكونسن، وميشيغان، استحضار مخاوف قطاع واسع من أبنائها، ولا سيما النساء، من الأجندة الاجتماعية للجمهوريين، وما يتعلّق منها تحديداً بمسألة الإجهاض، من دون أن يغفل عن انتقاد تصريحات كان قد أدلى بها ترامب حيال عدد من القضايا الخارجية، وفي طليعتها دعوته الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى غزو بلدان «حلف شمال الأطلسي» التي تتخلّف عن التزاماتها المالية ضمن الحلف.
ترامب: قضية المهاجرين كـ»ورقة رابحة»؟
المشهد السياسي الأميركي المفتوح على معركة «الضرب من تحت الحزام»، الدائرة بين المرشحَين الرئاسيَّين، وفق توصيف البعض، تجلّت آخر فصوله، خلال الأيام القليلة الماضية، في ولاية جورجيا، ذات القاعدة الواسعة من الناخبين من أصول إفريقية وإسبانية، حيث كرّر بايدن، المتخلّف عن ترامب في استطلاعات الرأي في كلّ الولايات المتأرجحة، خلال كلمة له في مدينة أتلانتا، عاصمة الولاية، قادماً من ولاية بنسلفانيا، اتهاماته لترامب بالسعي نحو ترسيخ نفسه كـ»ديكتاتور». ومحاولاً استمالة جمهور الولاية، التي لم يتجاوز الفارق بينه وبين ترامب فيها عام 2020 عتبة الـ 12 ألف صوت، بوعود انتخابية في مجال الإسكان، والتقديمات الاجتماعية، اكتفى الرئيس الثمانيني بالإعراب عن أسفه لاستخدامه عبارة «غير قانوني» لوصف مهاجر فنزويلي قتل طالبة تمريض، تدعى لاكين رايلي، الشهر الماضي في الولاية.
بدوره، يتمسّك ترامب بنهجه المعتاد، والذي ينصبّ على «اصطياد» العثرات الجسدية والكلامية لبايدن، ويصل أحياناً إلى حدّ السخرية من حركات الرئيس الأميركي، وهو ما بادر إليه فريق المرشح الجمهوري عقب خطاب «حال الاتحاد»، حين نشر مقطع فيديو يُظهر جانباً من تلك العثرات. من هنا، تعجّ «أدوات الحرب» المستخدمة من قبل الرئيس السابق بإشارات إلى الاختلالات الجسدية والذهنية والصحية التي يعانيها خلفه، ومن جملتها نعت ترامب لبايدن بـ»المخبول»، فضلاً عن تكثيف الرهانات على توظيف قضية تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة، عبر الحدود الجنوبية، في عهد الإدارة الأميركية الحالية، كـ»ورقة رابحة» لمصلحته. وأمام حشد من مؤيديه في مدينة روم، الواقعة في ولاية جورجيا، تعهد ترامب بشن حملة على الهجرة غير القانونية وجعْلها أحد الخطوط الرئيسيّة في حملته. كما خصّص جزءاً كبيراً من كلمته في روم، للحديث عن الجريمة التي راحت ضحيتها رايلي، على يد أحد المهاجرين، معرباً عن استهجانه لتراجع خصمه الديموقراطي عن استخدامه كلمة «غير قانوني» في وصف الشخص المتورّط بارتكاب الجريمة، مطالباً إيّاه بالاعتذار. وتابع: «كان يمكن أن تكون لاكين رايلي على قيد الحياة اليوم لو لم يفكّك جو بايدن حدود الولايات المتحدة عمداً وبشكل خبيث».
خضر خروبي