بايدن في فرنسا: احتفالية (لا) تنعش الحلف الغربي
في زيارة وصفها «الإيليزيه» بـ«التاريخية»، ولا سيما بالنظر إلى طول مدتها، وصل الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى فرنسا، الأربعاء، حيث سيبقى لمدة خمسة أيام كاملة، شارك خلالها، حتى الآن، في مراسم إحياء الذكرى الـ80 لـ«إنزال نورماندي»، والتي امتدت على ثلاثة أيام، فيما يرجح عدد من المراقبين أنّ بايدن – وعلى غرار نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون – لن يفوت مثل هذا الحدث من دون محاولة استثماره سياسياً في الداخل، و«تسجيل أهداف» ضدّ منافسه الجمهوري على سدة الرئاسة، دونالد ترامب، وهو ما انعكس في محاولة ساكن البيت الأبيض إحياء سردية «الديموقراطيات» في مواجهة «الديكتاتوريات» التي تخاطر بـ«تقويض العالم الحر»، ووضعه كييف في محور ذلك «العالم». وكان لافتاً حضور الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى باريس، للمشاركة في الاحتفالات، فيما أفادت صحيفة «لوموند» الفرنسية بأنّ باريس «تراجعت» عن «خطتها لاستضافة مسؤولين روس، وإن من مستوى أقل، تقديراً لمساهمة الاتحاد السوفياتي الهائلة» في دحر النازية، ولم تتم بالتالي، دعوة أي مسؤول من روسيا لحضور الذكرى. وطبقاً للصحيفة نفسها، فإنّ «ضيوف الشرف الأهم»، في تلك الاحتفالات، هم «قدامى المحاربين المتبقين»، والذي يقدر عددهم بـ200، وهو رقم يتضاءل كل عام، فيما أصبح معظمهم في أواخر التسعينيات، وتجاوز بعضهم الآخر المئة عام. على أنّه إلى جانب رئيس الوزراء الكندي، جاستين ترودو، وملك بريطانيا شارلز الثالث، وأكثر من عشرين رئيس دولة ومسؤولين حكوميين، دُعي كل من المستشار الألماني، أولاف شولتز، والرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، إلى نورماندي، في محاولة لـ«ترسيخ» المصالحة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية. وبعدما التقى بايدن، أمس، زيلينسكي، على هامش الاحتفالات، معلناً أنّه سيقدم له أسلحة بقيمة 225 مليون دولار، تشمل قذائف مدفعية وصواريخ للدفاع الجوي وغيرها من الأسلحة، من المقرر أن يلتقي، بعد انتهاء مراسم الاحتفالات اليوم، بنظيره الفرنسي، في أول زيارة دولة له إلى فرنسا منذ توليه منصبه، حيث سيناقش الرئيسان «ضرورة استمرار الدعم لأوكرانيا»، ويؤكدان «تنسيق الجهود» لمواجهة «الأزمة الدولية»، تمهيداً لقمة «مجموعة السبع» التي ستعقد في إيطاليا هذا الشهر، وقمة «الناتو» التي ستعقد في واشنطن الشهر المقبل.
أجندات انتخابية
وتعقيباً على الزيارة، اعتبرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أنّ «موضوع احتفالات» هذا الأسبوع، والذي يهدف إلى استعراض «الأخوة بين الدول التي اتحدت للتغلب على الاستبداد»، يدخل في حسابات انتخابات البرلمان الأوروبي التي بدأت الخميس، كما سيستغله بايدن لتوجيه رسالة إلى ترامب، في إطار حملته الانتخابية. وفي الواقع، وإلى جانب محاولة بايدن تصوير منافسه الجمهوري، الذي لا يزال يرفض الاعتراف بخسارته في انتخابات عام 2020، على أنّه «استبدادي»، وأنّ «انتصاره في الانتخابات سيضع حداً للديموقراطية الأميركية»، فهو أيضاً تطرق، في أكثر من محطة، إلى تقارير تفيد بأنّ الرئيس الجمهوري السابق كان «متردداً»، خلال زيارته إلى باريس أثناء عهده، في تكريم الجنود الأميركيين المدفونين في مقبرة فرنسية، بل عمد حتى إلى وصفهم بعبارات نابية. ورغم أنّ ترامب ينفي هذه الاتهامات باستمرار، فقد تطرق بايدن، الإثنين، مرة جديدة، إلى تلك التقارير، وذلك خلال حفل لجمع التبرعات في ولاية كونيتيكت.
أشاد بايدن بتوسيع «الناتو» أخيراً، متعهداً بعدم «التساهل» أبداً مع «المستبدين أمثال فلاديمير بوتين»
كما أنّ جملة من الوقائع الأخرى توحي بأنّه حتى ولو لم يأتِ على ذكر اسم ترامب بشكل مباشر، فإنّه سيكون من الصعب على بايدن، إخفاء «الرسائل الانتخابية المبطنة» التي يتوجه بها من باريس إلى الناخبين في بلاده. على سبيل المثال، أخذ بايدن على عاتقه، طوال مدة رئاسته، مهمة «إعادة بناء التحالفات التي دمرها ترامب»، والعمل على استعادة دور أميركا كزعيم عالمي، ورفض سياسة «أميركا أولاً»، التي تبناها الرئيس السابق، وسبق أن روّج لها خلال زيارته إلى باريس. وبالفعل، في الخطاب الذي ألقاه، الخميس، بجانب كل من ماكرون ووزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، دعا بايدن الأميركيين إلى عدم «نسيان كيف أنّ التحالفات جعلت منا أقوى»، في إشارة إلى الحرب العالمية الثانية. كما أشاد بايدن بتوسيع «الناتو» أخيراً، متعهداً بعدم «التساهل» أبداً مع «المستبدين أمثال فلاديمير بوتين». وتعهد بايدن بأنّ «تحالف الدول التي تدعم أوكرانيا لن يرحل»، محذراً من أن «كل أوروبا ستتعرض للتهديد» في حال سقطت أوكرانيا، متابعاً: «المستبدون في العالم يراقبون ما يحصل من كثب… الاستسلام للمتنمرين، والانحناء للديكتاتوريين، هو ببساطة أمر لا يمكن تصوره».
بيد أنّ جميع المؤشرات تنذر بأنّ «الوحدة» التي يحاول المسؤولون الغربيون، وعلى رأسهم بايدن وماكرون، الإيحاء بها، تواجه جملة من التحديات غير المسبوقة، على رأسها الانقسام حول الدعم لأوكرانيا، والشرخ الذي أحدثته الحرب في غزة في أوساط المعسكر الغربي، ومساعي ماكرون المستمرة لتصوير أوروبا على أنّها «كيان مستقل» وغير تابع للولايات المتحدة، فيما يستبعد مراقبون أن تكون «العراضات» الأميركية والفرنسية التي طغت على الاحتفالات، هذا الأسبوع، قادرة على التعويض عن «الانتكاسات» الداخلية التي تتعرض لها الإدارة الأميركية على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة، أو على الدفع قدماً بحظوظ ماكرون المتعثرة، في استطلاعات الرأي أقله، أمام اليمين المتطرف الفرنسي، في الانتخابات الأوروبية.
ر يم هاني