أخبار عربية ودولية

أوروبا تتوجّس فوز ترامب: ماذا نفعل بأوكرانيا؟

لندن | تأجّجت مخاوف الأوروبيين، على المستويَين الأمني والاقتصادي، مع ارتفاع حظوظ الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولا سيما بعد اختياره جيمس ديفيد فانس نائباً له في مؤتمر الحزب الجمهوري. ويتبنّى فانس (39 عاماً) شعار «أميركا أولصاً» الذي يقوم عليه برنامج ترامب، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات على الدفاع والاقتصاد في أوروبا والعالم، في حال تولّى الرجلان الإدارة المقبلة. وتعليقاً على اختيار فانس، كتب رئيس الوزراء البلجيكي السابق وعضو البرلمان الأوروبي، جاي فيرهوفشتات، عبر حسابه في موقع «إكس»: «ستفتح الكثير من زجاجات الشمبانيا الليلة في الكرملين». من جهته، رأى المسؤول الرفيع في وزارة الدفاع البريطانية، روب جونسون، أنّ التعيين إيذان بالدخول «في مرحلة مظلمة للغاية»، معبّراً عن قلقه من تلاشي قوّة «حلف شمال الأطلسي» مع تراجع اهتمام الولايات المتحدة به، في حال تولّي الثنائي ترامب – فانس مقاليد السلطة في واشنطن، إذ «سيكون أمامنا حينها عقد كامل من صعود بلا سقوف لروسيا والصين».ويرفض فانس منطق الضمانات الأمنية الأميركية باعتبارها «عكّازاً» سمح لأوروبا «بتجاهل أمنها» والاعتماد على الجيش الأميركي، فيما يجادل بأن المساعدات التي تقدّمها الولايات المتحدة للنظام الأوكراني «غير ضرورية».
وأثار تقدُّم ترامب في استطلاعات الرأي الأحدث، مقابل الأداء المتواضع للرئيس الحالي، جو بايدن، في مناظرتهما التلفزيونية الأخيرة، قلق العواصم الأوروبية، والذي تعزّز بعد محاولة اغتيال الرئيس السابق، وتالياً توحّد الحزب الجمهوري وراءه، ومن ثم اختيار الأخير فانس شريكاً له في الحملة الانتخابية. ويتعامل الرجلان، في تصريحاتهما المعلنة، بكثير من الازدراء تجاه حلفاء أميركا الأوروبيين، وأيضاً بريطانيا التي لم تسلم من النقد اللاذع. وقال فانس، الأسبوع الماضي، إن المملكة المتحدة، في ظلّ حكومتها «العمّالية» الجديدة يمكن أن تصبح «دولة إسلامية»، وسبقه ترامب مع بداية هذا العام إلى القول إنه لم يعد ممكناً التعرّف إلى لندن لأنها «فتحت أبوابها للجهاد»، في إشارة إلى الاحتجاجات الشعبية المتكررة المؤيدة للفلسطينيين والتي تشهدها شوارع العاصمة البريطانية.
وللقلق الأوروبي تجاه انتقال البيت الأبيض إلى الجمهوريين موجباته في الفضاء التجاري، إذ إن اقتصادات الأوروبيين المنهكة من مترتّبات الحرب في أوكرانيا ستعاني الأمرّين حال تولّي ترامب الحكم، وتطبيقه رسوماً جمركية شاملة على الواردات من الخارج. وتُعدّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الشريكين التجاريين الرئيسيّين، حيث تدعم المبادلات بينهما ملايين الوظائف على جانبَي الأطلسي، مع ميل الميزان إلى مصلحة التكتّل الذي صدّر إلى أميركا ما قيمته 725 مليار دولار أميركي، في مقابل استيراده بأقلّ من 600 مليار دولار منها. كذلك، شكّلت واشنطن أكبر شريك لبروكسل لصادرات السلع في عام 2023، بحوالي خُمس إجمالي صادرات دوله الـ 27.

يجادل فانس بأن المساعدات التي تقدّمها الولايات المتحدة للنظام الأوكراني «غير ضرورية»


على أن أكثر ما يُقلق الأوروبيين في هذه المرحلة يبدو متعلّقاً بالوضع في أوكرانيا؛ إذ قال الناطق باسم الشؤون الخارجية الألمانية، نيلز شميدت، إن اختيار فانس مثير للقلق لأنه شخصية «أكثر راديكالية من ترامب لجهة رغبته في تعليق جميع المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا»، مضيفاً أنه «في هذا الصدد، ربّما هو أكثر انعزالية من ترامب ذاته». وكان فانس قد دعا أوكرانيا، في وقت سابق، إلى التنازل عن بعض أراضيها لإنهاء الحرب، بما يتوافق مع الشروط التي وضعتها روسيا، الشهر الماضي، لإطلاق محادثات سلام. وإذ رفضت كييف دعوات إلى إجراء محادثات مع موسكو، فإن ترامب يعتزم المطالبة بمثل هذه المحادثات إذا فاز بالانتخابات، ولديه «خطط محدّدة» حول كيفية القيام بذلك، كما قال لرئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، بعد اجتماعه معه الأسبوع الماضي. وسبق لأوربان أن أبلغ قادة الاتحاد الأوروبي، في رسالة خاصة بعث بها إليهم بعد مشاورات أجراها في موسكو وبكين، أن «هذا الاحتمال المرجّح – أي فوز ترامب بالانتخابات – يعني أنه يتعيّن على بروكسل إعادة فتح الاتصالات الديبلوماسية المباشرة مع روسيا، وربما بدء مفاوضات على أعلى مستوى مع الصين لإيجاد صيغة حلّ سلمي للحرب في أوكرانيا، وقبل أن تتصاعد الأمور عسكريّاً بشكل جذري». وبحسب أوربان، فإن ترامب لن يطلق أيّ مبادرات سلام قبل الخامس من تشرين الثاني، موعد الانتخابات، لكنّه جزم بأن الرئيس السابق «لن ينتظر تسلّم مهامه الرئاسية حال فوزه، بل سيكون مستعداً ليكون وسيط سلام على الفور».
وصدمت رحلات أوربان، الذي يتولّى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، للقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينغ، وكذلك دونالد ترامب، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الزعماء الأوروبيين الذين أحسّوا بأن ثمّة ترتيبات لإنهاء الحرب تتم من خلف ظهورهم. وكتب رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، محذّراً من أن أوربان «ليس له دور» في تمثيل التكتّل دولياً، ولم يمنح أيّ تفويض للقيام بذلك، معتبراً أن «التوافق الأوروبي ما زال قائماً على ضرورة سحب روسيا قواتها من كلّ الأراضي الأوكرانية كمدخل لمباحثات سلام مباشرة». لكن أوربان قال إن على بروكسل أن تتوقّع التحوّل الآتي في السياسة الأميركية: فإما أن تتبنّى الدفع في اتجاه مفاوضات عاجلة بين روسيا وأوكرانيا لإنهاء الصراع، وإلا فلتخطّط لتحمّل المزيد من المسؤولية عن الدفاع الأوكراني، مشيراً إلى أنّ من النتائج المباشرة المتوقّعة لانتخاب ترامب، تغيّر نسبة العبء المالي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تمديد عمر نظام كييف.
وكان لافتاً في هذا الإطار أن زيلينسكي نفسه، بعد اجتماعه بأوربان، أعلن تأييده لمبدأ حضور روسيا لمؤتمر سلام حول أوكرانيا يفترض انعقاده في سويسرا خلال تشرين الثاني المقبل، علماً أن هذه هي المرّة الأولى التي يقبل فيها الرئيس الأوكراني فكرة إجراء محادثات مع موسكو من دون انسحاب روسي مسبق من الأراضي الأوكرانية.

سعيد محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *