عبد الباري عطوان
عندما تستعد الولايات المتحدة لنشر قواتها، وإرسال أعداد من مُقاتلاتها الإضافية إلى قواعدها في منطقة الشرق الأوسط تحسبًا لرد محور المقاومة بقيادة إيران على اغتيال الشهيدين إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في طهران، والحاج فؤاد شكر أحد أبرز قادة الجناح العسكري لحزب الله في غارةٍ إسرائيليّة على الضاحية الجنوبيّة في بيروت، فهذا يعني أن المنطقة تقترب بسُرعةٍ من سيناريو الحرب الإقليميّة المُوسّعة، وضخامة حجم وتأثير هذا الرّد المُنتظر في الأيّام القليلة المُقبلة.
إدارة الرئيس بايدن التي أعطت الضّوء الأخضر لبنيامين نتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال للإقدام على تنفيذ هذه الاغتيالات بحثًا عن نصرٍ استعراضيّ رخيص باتت تُدرك جيّدًا أن إيران ستردّ حتمًا على الإهانة التي تعرّضت لها وتمثّلت في انتهاكِ سيادتها، وكرامتها الوطنيّة، بإقدام إسرائيل على اغتيال المُجاهد هنية في قلب عاصمتها، خاصَّةً أنّ الأمر بالانتقام جاء من السيّد علي خامنئي المُرشد الأعلى للثورة الإيرانيّة، والأهم من ذلك، التّأكيد على أن يكون هذا الرّد سيكون مُباشرًا وقياسيًّا، أي دون توكيل أذرع محور المُقاومة المدعومة إيرانيًّا بهذه المهمّة.
التسريبات الإعلاميّة الإيرانيّة عن طبيعة ونوعيّة الرّد الإيراني المُتوقّع، بل والمُؤكّد، تُشير إلى أنه قد يكون مُؤلمًا هذه المرّة لدولة الاحتلال، ومُختلفًا في نتائجه عن هُجوم “الوعد الصّادق” في نيسان (إبريل) الماضي من حيث استخدام صواريخ باليستيّة مُجنّحة، وأُخرى أسرع من الصّوت (فرط صوت) ومُسيّرات انغماسيّة مُتطوّرة جدًّا، تحمل رؤوسًا حربيّة مُتفجّرة قد يصل وزنها إلى حواليّ 500 كيلوغرام، علاوةً على كونها أكثر سُرعةً بمراحلٍ من نظيراتها التي استُخدمت للإغارة على القواعد الجويّة الإسرائيليّة في صحراء النقب.
الجنرال يوآف غالانت وزير الحرب الإسرائيلي سارع اليوم للدّعوة إلى تشكيل تحالف دولي ضد إيران وبمُشاركة “دولته” إسرائيل، وبأسرع وقتٍ مُمكن، أثناء استقباله لنظيره البريطاني جون هيلي، على غرار تحالفات سابقة مُماثلة في العراق، وسورية، وليبيا، وأفغانستان، استشعارًا لنفاذ الصبر الاستراتيجي الإيراني، والتخلّي عن سياسة ضبط النفس بالتالي، وتأكيد السيّد حسن نصر الله أمين عام حزب الله بأن مرحلة الإسناد العسكري للمُقاومة في قطاع غزة المُستمرّة مُنذ 9 أشهر قد انتهت بعد اختراق إسرائيل كُل الخُطوط الحمراء، وتصعيدها لسياسة الاغتيالات والتّدمير وسيستمر استخدام الصواريخ الباليستيّة الثقيلة والدقيقة، وضرب البُنى التحتيّة المدنيّة (ماء كهرباء وطاقة، ومطارات وموانئ)، جنبًا إلى جنب مع القواعد والأهداف العسكريّة الإسرائيليّة.
لا نعتقد أن فرص نجاح هذه الدعوة الإسرائيليّة لإقامة التحالف الدولي المذكور ضد إيران كبيرة، والشّكوك الأمريكيّة في هذا الإطار في مكانها، لأنّ مُعظم، إن لم يكن، جميع حُلفاء أمريكا في المنطقة سيتردّدون للانضمام إلى هذا التحالف ضد إيران لأنها ستُواجه مخاطر أمنيّة وعسكريّة كبيرة، فالحرب القادمة هي حرب كسر العظم، والكيان الإسرائيلي يعيش أضعف أيامه، فجيشه خسر هيبته بعد فشله وعلى مدى 10 أشهر تقريبًا في هزيمة المُقاومة في قطاع غزة التي تتزعّمها حركة “حماس”، وحرب الاستنزاف الباهظة التكاليف التي تشنّها المُقاومة الفِلسطينيّة واللبنانيّة، وحرب السّفن اليمنيّة في البِحارِ الأربعة (الثلاثة وهي بحر العرب والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي).
العُيون مُنصبّةٌ حاليًّا في اتّجاه الأردن، وفي حال إقدام إيران على قصف العُمُق الإسرائيلي بالصّواريخ والمُسيّرات، فإنّ طريق العُبور الوحيد لها هي الأجواء الأردنيّة، مثلما حدث أثناء هُجوم “الوعد الصّادق” الإيراني في نيسان (إبريل) الماضي، والسُّؤال المطروح بقوّة هو عمّا إذا كان الأردن سيتحوّل مجددًا إلى حائطِ صدٍّ، والسّماح بالتّالي للقواعد الغربيّة بإسقاط هذه الصّواريخ والمُسيّرات (16 قاعدة أمريكيّة وأُخريات بريطانيّة وفرنسيّة)، أمْ أنّ الأردن تعلّم الدّرس وقرّر رفض القيام بهذا الدّور، وتجنّب تحمّل نتائجه الخطيرة على أمنه واستقراره؟ وهل يملك القُدرة على هذا الرّفض؟
في هُجوم “الوعد الصّادق” نجحت الصّواريخ الأمريكيّة في القواعد الأردنيّة إسقاط مُعظم الصّواريخ والمُسيّرات الإيرانيّة التي زادَ عددها عن 365، الأمر الذي عرّض الأردن لانتقاداتٍ وتهديداتٍ شرسة من محور المُقاومة، والكثير من الجماعات الدّور نفسه في التصدّي لأيّ ضربات إيرانيّة قادمة للعُمُق الإسرائيلي فإن ردود الفعل الغاضبة عربيًّا وشعبيًّا قد لا تقتصر على البيانات السياسيّة الرّافضة، فمحور المُقاومة يُحاصر الأردن من الشّرق العِراق، ومن الشّمال سورية، ومن الجنوب اليمن، والدّول الثلاث تُشكّل رُكنًا أساسيًّا في محور المُقاومة.
الاغتيالات الإسرائيليّة المُتكرّرة للقيادات العسكريّة والسياسيّة لمحور المُقاومة التي تسير جنبًا إلى جنب مع حرب إبادة في غزة، وقصف تدميري للقُرى الجنوبيّة اللبنانيّة، وغارات على الحديدة وصنعاء، تضع أمريكا ونُفوذها، وقواعدها العسكريّة، ومصالحها في مِنطقة الشّرق الأوسط في دائرة الخطر، والاستهداف “المشروع” من قِبَل أذرُع محور المُقاومة، وصواريخه ومُسيّراته، فنشر القوّات، وإرسال الطّائرات الإضافيّة لن يحمي هذه القواعد، وسيجعلها هدفًا للغارات الصّاروخيّة و”المُسيّراتيّة”، ولنا في المُقاومة اليمنيّة وهجماتها على السّفن الإسرائيليّة والأمريكيّة والبريطانيّة في البحر الأحمر خير الأمثلة.
أمريكا احتلّت أفغانستان والعِراق وأرسلت مئات الآلاف من القوّات، وآلاف الطّائرات والدبّابات، وانسحبت مهزومة منهما، وتكبّدت خسائر تصل إلى عدّة ترليونات من الدولارات، ويبدو أن التّاريخ يُعيد الفُصول نفسها، والخسائر قد تكون أكبر في حالِ الوقوع في مِصيَدة المُقاومة دفاعًا عن الجرائم والاغتيالات وحُروب الإبادة الإسرائيليّة.. والأيّام بيننا.