ضربة العدو الاستباقية لا تعطّل الردّ الحتمي
لم يكتف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بإعلان الموقف الرسمي في مواجهة العدوان الذي شنّه العدو على الضاحية الجنوبية، خلال مراسم تشييع القائد الجهادي فؤاد شكر، ولا على تبيين مخاطر المرحلة التي يمر بها الصراع مع إسرائيل وكيفية مواجهتها، بل ذهب إلى إحباط جانب من أهداف هذا العدوان – الاغتيال، وتعميق الضغط النفسي الذي يعاني منه قادة العدو وجمهوره، فضلاً عن أهداف أخرى تتصل بتكتيكات المواجهة مع كيان العدو، عبر توجيه رسائل صريحة أو ضمنية وصلت إلى من ينبغي أن تصل إليهم.لا شبهة في أن العدو هَدَفَ من وراء عملية اغتيال الشهيد شكر، أيضاً، إلى التأسيس لمرحلة جديدة من الضغوط والأثمان التي يقدّمها حزب الله في إسناد غزة والدفاع عن لبنان. كما انطوت هذه العملية على رسائل صريحة إلى قيادة حزب الله بأن ساحة المعركة اتّسعت إلى خارج نطاق الدوائر التي كانت داخلها في الأشهر الماضية، وأن كل المنظومة القيادية باتت في دائرة الاستهداف المباشر في هذه المرحلة. ويراهن العدو بذلك على محاولة التأثير، بنسبة أو أخرى، في حسابات قيادة حزب الله إزاء الخيارات التي ينتهجها، وفي معنويات وتماسك قاعدة المقاومة التي يشكل صمودها عاملاً رئيسياً في صناعة الانتصار.
عطَّل إعلان السيد نصرالله عن ردّ «قوي وفاعل ومؤثّر» جانباً من مفاعيل عملية الاغتيال – العدوان، وأحبط أهداف سياسة التهويل التي سبقتها وتزامنت معها، وبدَّد أي رهان على تراجع المقاومة عن الخيار الذي تنتهجه في مواجهة هذا الارتقاء العملياتي. وفرض إعلان السيد نصرالله بأن القرار انتقل إلى مرحلة التنفيذ بحسب ظروف الميدان، على قادة العدو وأجهزته المختصّة التراجع إلى مرحلة الاستعداد لتلقّي الضربة.
إلى ذلك، أظهرت هذه المواقف، في الشكل والمضمون، الهامش الواسع للمقاومة في المبادرة والرد والدفاع، في تعبير عن موقعها القوي في المعادلة الحاكمة للمواجهة، وبما يُعزز معنويات بيئة المقاومة وتماسكها، في ضوء شرحه لضرورة خوض هذه المعركة وللمخاطر التي تواجه فلسطين ولبنان والمنطقة في حال لم يتم كبح العدو ومنعه من الانتصار. وبالنتيجة، أدّت كل هذه المفاعيل إلى تعزيز صورة حزب الله (ومعه محور المقاومة) المتوثّب للرد، وإلى تعميق حالة الاستنزاف التي يشهدها الكيان نفسياً وأمنياً واقتصادياً.
وأظهرت إجراءات العدو الدفاعية والاعتراضية التي بلغت الذروة استمرار حالة تآكل الردع الإسرائيلي، على النقيض مما كان يطمح إليه. وبذلك تجلّت حقيقة موقع كل من الطرفين في معادلة الردع، وانعكس ذلك عملياً في إجراءات العدو الدفاعية والهجومية (للرد). لذلك من المتعذّر العثور على أي مسؤول يملك جرأة الإيحاء بأن إسرائيل نجحت أو تكاد في تعزيز صورة ردعها في مقابل حزب الله.
فرض تراكم هذه الأثمان التي يدفعها العدو قبل الرد العسكري المرتقب، في الاقتصاد والأمن والسياسة والمجتمع، على قيادته محاولة الحد من مفاعيلها، والتعويض عبر التلويح بخيارات تهدف إلى ترميم الصورة وطمأنة الجمهور الإسرائيلي، وأيضاً بهدف قلب معادلة الضغط كي يعود حزب الله وبيئته إلى موقع الترقب للاستهداف النوعي تحت عنوان الخيار الاستباقي.
أظهرت إجراءات العدو الدفاعية والاعتراضية استمرار حالة تآكل الردع الإسرائيلي على عكس ما كان يطمح إليه
مع ذلك، فإن هذا الخيار مرتبط أيضاً بأبعاد عملياتية فعلية، بمعنى أن يبادر العدو إلى محاولة إحباط أو إرباك عملية الرد من قبل حزب الله. لكن هذا السيناريو غير مفاجئ أو غريب عن دائرة الاحتمالات المرجّحة، ولن ينفع التهويل كثيراً به، وتقديمه كما لو أنه قادر على تغيير المعادلة.
لكن ما ينبغي تسليط الضوء عليه أن كل هذه الخيارات لن تحقق النتائج التي يأملها، إذ قد تنجح الخيارات الاستباقية ضد الجيوش النظامية في سلبها القدرة على الهجوم. في حين أن بنية المقاومة وتكتيكاتها تحول دون أن ينجح العدو في منع أصل عملية الرد أو سلب القدرة على تنفيذه، حتى لو نجح في استهداف منصة هنا أو هناك. وليس التركيز في الإعلام الإسرائيلي وبعض العربي على هذا السيناريو إلا مجرد حملة نفسية لا تنطوي على أي تداعيات عملياتية.
يبقى أن حزب الله حسم قراره وانتقل إلى مرحلة تنفيذ الرد. في المقابل، انتقلت إسرائيل إلى مرحلة تلقّي الرد والاستعداد لما بعده، فاستنجدت بالولايات المتحدة والأطلسي والأنظمة العربية لمساعدتها في الكشف والاعتراض. وما ذلك إلا إقرارٌ بعجزها عن ردع حزب الله وعن إحباط رده، بل والخشية من سيناريو اليوم الذي يليه. ولم يعد هناك من جدوى في الترويج للخيار الاستباقي ولا في خيار مواصلة الضربات النقطوية الابتدائية من النوع الذي يستوجب الرد بالسقف الذي ينتظره الآن. وهو أمر من البديهي أن المقاومة تتعامل معه كخيار قائم، أضف إلى أنه سيؤدي إلى زيادة فاتورة الحساب.
علي حيدر