آمال ديبلوماسية «متواضعة» في مواجهة المجتمع الدولي!
في انتظار لملمة النتائج التي انتهت إليها مجزرتا «البايجر» والـ «توكي ووكي» لن تكون هناك أي سيناريوهات منطقية ومجدية للحديث عن «اليوم التالي» للمواجهة الجديدة المفتوحة على كل ما هو مجهول. ولذلك، فإنّ ما هو مرتقب سيبقى قي إطاره الديبلوماسي والسياسي ومن دون أي مواجهة متكافئة مع المجتمع الدولي، لإرضاء اللبنانيِّين ومن بينهم آلاف العائلات المستهدفة. فما هو ثابت أنّ الحديث عن أي فصل بين ما يجري في غزة وجنوب لبنان بات مستحيلاً. وهذه بعض الدلائل والمؤشرات.
يعترف المراقبون أنّ أجهزة التخزين المعلوماتية لم تَعُد تتسع للآراء العلمية والتقنية، التي صدرت تعليقاً على وقائع المجزرة الأولى التي استهدفت شبكة «البايجر»، وبعدها مجزرة «التوكي ووكي»، وهي في معظمها كانت مستنسخة في عناوينها، بعدما عبّر كل مَن يدّعي الخبرة في البحث على الإنترنت، في وقتٍ تمنّت الجهات المعنية بالتحقيقات الجارية التريّث إلى حين إتمام فروضها للتدقيق في مراحلها المختلفة، بدءاً بالعقود المبرمة لتصنيعها والمواصفات وتكلفتها قبل مرحلتَي التصدير والتوزيع.
على هذه الخلفيات، يعترف المراقبون من كل الأوساط المعنية بهذه المرحلة، وما حملته من مفاجآت، أنّه لم يكن مستغرباً ما حصل، طالما أنّ هناك إجماعاً على مدى التقدّم التكنولوجي الذي تمتلكه الدولة العبرية، بعدما صدّرت برامج التنصّت والمراقبة والرصد والتجسّس بطريقة غير مسبوقة، وسبق لها أن استُخدِمت في عدد من الأزمات الدولية.
وهو أمر دفع بالبعض إلى الإشارة إلى البعض منها ولو بأشكال ولغايات مختلفة. ومنها البرامج التي استُخدمت في النزاع القائم على مستوى التجارة الدولية والصناعات المتقدّمة، قياساً على حجم التنافس بين القوى الاقتصادية الكبرى التي شكّلت في ما بينها هيئات تنسيق دولية، وضعت عدداً من الاتفاقيات التي نظّمت كل ما يتعلّق بها وما يحدّد رسومها الجمركية والضرائب. مع الإشارة إلى ما انتهت إليه خلافاتهم من عقوبات متبادلة، وخصوصاً عند استخدام بعضها في عمليات اغتيال كبرى، وضعت إسرائيل على لائحة المتهمين بالتجهيز لها وتوفير مستلزماتها.
وعلى الرغم من مجموعة الآراء التي تدّعي الحسم في بعض الجوانب التقنية والاستخبارية، فإنّ هناك من يدعو إلى انتظار كثير من التفاصيل الصعبة المنال. وهي مهمّة اضطلع بها المعنيّون بالتحقيقات الجارية من ضمن أجهزة «حزب الله» بسرّية تامة ومعه الأطراف المساندة الموثوق بها في الداخل والخارج. لكن مجرّد النفي الذي صدر عن الجهة التايوانية بعدم وجود أي عقد تصنيع لهذه الأجهزة في منشآتها كما الشركات الوسيطة التي تتمتّع بحق استخدام شعاراتها «الحصرية» أضاع شيئاً من الحقيقة. ويُضاف اليها نفي الحكومة البلغارية وجود أي عقود تتصل بهذه الشحنات واختفاء آثار الشركة البلغارية التي قيل إنّها صنعتها. لذلك، فإنّ نظريات عدة ستسقط، إن انتهت هذه التحقيقات إلى ما يمكن الإعلان عنه عبر أجهزة الحزب المعنية.
إلى هذه الجوانب التي ما زالت قيد البحث الذي قد يطول أو يقصر، يعترف أكثر من مسؤول حكومي وأمني وقضائي بأن ليس لأي إدارة رسمية أو حكومية أو قانونية علاقة بمثل هذه المقتنيات. فهي من الأسرار التي لم ولن تسمح بتوفير المستندات المطلوبة المعترف بها بموجب اتفاقيات دولية ومنها شهادة المنشأ، عند التقدّم بأي شكوى أمام مجلس الأمن الدولي أو أي هيئة قضائية دولية أو أممية.
على هذه الأسس، تصرّ المراجع المعنية على عدم وجود ما يؤشر إلى اختصاصاتها للتدخّل في هذه العملية، ما لم تتوافر لديها كل هذه الأدلة، وأنّ أي تصرّف أو خطوة حكومية لن تتعدّى الأدوار الديبلوماسية التي تحاكي النتائج المترتبة على هذه العملية بوجوهها الإنسانية والأخلاقية، وهو ما يؤدّي إلى عدم توفير الأحكام التي يرغب بها اللبنانيّون ومنهم آلاف العائلات اللبنانية التي أصيبت بما انتهت إليه هذه العمليات «الإجرامية».
والأدهى، يقول مصدر ديبلوماسي، إنّ كل العتب الذي وجّهه البعض إلى الجهات الدولية وبعض الحكومات تجاه صمتها «المدوّي» حتى اليوم، لن يتعدّى صداه حدود لبنان و»محور الممانعة». وما هو مطلوب من إدانة قد لا يتعدّى الجانب الاعلامي والإنساني، مخافة أن يؤدّي الحديث عن جوانب أخرى ممّا حصل خارج هذه المطالب «المتواضعة» إلى إلقاء الضوء على كل أشكال «التجارة الدولية المحرّمة» العابرة للقارات والدول، التي تستهدف ما يسمّونهم بـ «المجموعات الإرهابية». وهو ما يشجّع إسرائيل على المضي في غيها والادّعاء بضرورة حمايتها.
عند هذه الحدود ممّا هو مطروح حتى اليوم، لا تخفي المراجع الديبلوماسية مخاوفها من عدم قدرتها على جذب المواقف الدولية التي تُدين العمليات الأخيرة، فتكتفي بما لا يفيض عن قرارات محكمتَي الجنائية والعدل الدوليتَين التي تستعد إسرائيل للطعن في صلاحياتهما على عتبة صدور مذكّرات توقيف دولية في حقّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت ومسؤولين آخرين. تزامناً مع ما أعلن عنه أمس بأنّ القضاء الإسرائيلي لن يصرّ على حضور نتنياهو أمام المحكمة في هذه المرحلة التي تعيشها الدولة اليهودية.
جورج شاهين