الاحتلال يواصل «تجريف» الضفة: توعّد بالحسم في «العهد الترامبي»
رام الله | لا تغفل عين إسرائيل عن الضفة الغربية، رغم المواجهة الصعبة التي يخوضها جيشها في شمال فلسطين المحتلة مع مقاومي حزب الله، وفشل أكثر من 65 ألف جندي في إحراز تقدم بري، وكذلك في قطاع غزة، حيث لا تزال المقاومة تكبده الخسائر تلو الأخرى. إذ يولي جيش الاحتلال ساحة الضفة اهتماماً كبيراً – مع أن حجم وقوة المقاومة في الأخيرة لا يقارنان بثقل بقية الساحات المشار إليها -، ويبدي خشية مستمرة حيالها، نظراً إلى الكلفة الباهظة التي يمكن أن يتكبدها في «أقلّ» عمل مقاوم ينطلق من الضفة. وفي المقابل، تبدو استراتيجية «جز العشب» أساس عمل العدو في الضفة، وسط شنّ اعتقالات يومية بحقّ الفلسطينيين، وملاحقتهم والاعتداء عليهم، واقتحام قراهم وبلداتهم ومدنهم، والذي بات حدثاً يومياً. وتستبطن تلك الاقتحامات، التي تتم ليل نهار ومن دون اكتراث لتصنيف المناطق، رسالة مفادها بأن جيش الاحتلال هو الحاكم الفعلي في الضفة، وخصوصاً مع تعميق سيطرته الأمنية هناك.
وفي هذا السياق، شهدت بلدات ومدن عدة، فجر أمس، اقتحامات أبرزها في مدينة نابلس التي شهدت اشتباكات مسلحة عنيفة، استهدفت خلالها المقاومة قوات الاحتلال وآلياته بالعبوات الناسفة، فيما شهدت البلدة القديمة وحارات الجماسين والعيادة ومنطقة صرح الشهداء في مخيم عسكر القديم، هي الأخرى، مواجهات شرسة، أهمها في المخيم المشار إليه الذي اقتحمه جنود العدو، وتصدّى لهم المقاومون فيه بإطلاق الرصاص وتفجير العبوات الناسفة. ويأتي ذلك فيما تواصل قوات الاحتلال تصعيدها في شمال الضفة تحديداً، حيث يترقّب الفلسطينيون في مدينتي جنين وطولكرم وطوباس استئناف جيش العدو لعملياته الواسعة في تلك المناطق، على غرار التي نفذها خلال الأيام الماضية، بهدف إنهاء حالة المقاومة المستمرة هناك.
وكانت بلدة عقابا في محافظة طوباس، سجّلت آخر تلك العمليات، حيث استشهد شاب برصاص قوات الاحتلال التي احتجزت جثمانه، بعد أن رفض تسليم نفسه لقوة خاصة حاصرت منزلاً في البلدة. كما أسفرت العملية العسكرية في عقابا عن اندلاع النيران في خمسة محال تجارية، نتيجة إطلاق جنود العدو قنابل الصوت والغاز السام المسيل للدموع أثناء اقتحامهم المتواصل للبلدة. على أن هذا المشهد كان تكرر في الأيام القليلة الماضية مراراً في طوباس وقلقيلية وقباطية وجنين، والتي ارتقى فيها 14 شهيداً منذ بداية الشهر الجاري.
أبدى «أبو مازن» استعداده، في اتصال مع ترامب، للمضي قدماً في عملية «السلام»
وفي غضون ذلك، يتواصل منع الفلسطينيين من الدخول إلى أراضيهم لقطف ثمار الزيتون، في استكمال لسياسة متبعة ضدهم منذ 7 تشرين الأول الماضي. وتعرض المزارعون في مناطق متفرقة في الضفة لاعتداءات المستوطنين وجنود العدو أثناء توجههم للقطاف، ولا سيما في تل الرميدة وسط الخليل، حيث استولى المستوطنون على المحصول، تحت حماية قوات الاحتلال التي أجبرت المزارعين على المغادرة. كما داهم جنود العدو، أمس، مزرعة دواجن في مخيم عقبة جبر في مدينة أريحا، وحطّموا محتوياتها وعدداً من المركبات الموجودة في المنطقة. أيضاً، قطع مستوطنون في بلدة نحالين غرب بيت لحم، 40 شجرة متنوعة في منطقة عين فارس غرب البلدة، بعد ساعات فقط من قطع 70 شجرة زيتون وعنب ولوزيات، في المكان نفسه.
وإزاء هذا المشهد اليومي، تتواصل أعمال المقاومة، وتحديداً عمليات إطلاق النار على المواقع العسكرية والنقاط والحواجز في الضفة. وفي الوقت نفسه، أفادت وسائل إعلام عبرية بأن جيش الاحتلال يكثف من انتشاره في الضفة، وتحديداً على الحدود الشرقية مع الأردن، خشية حدوث حوادث تسلل إلى المستوطنات القريبة من الحدود وتنفيذ عمليات فدائية، أو تهريب أسلحة. ويأتي هذا بعدما أعلن جيش العدو، أمس، إحباط محاولة تهريب 13 قطعة سلاح قرب قرية العوجا في الأغوار مساء السبت، وزعم اعتقال فلسطينيين اثنين.
وعلى المقلب السياسي، يُمنّي المستوطنون وقادتهم أنفسهم بتحقيق إنجازات كبيرة في سياق حسم الصراع في الضفة الغربية وضمّها، أو بالحصول على موافقة سياسية من قِبل دونالد ترامب، بعد تسلّمه مهمات الرئاسة الأميركية، لإعلان السيادة الإسرائيلية على الضفة، فيما تجد السلطة الفلسطينية نفسها، مرة أخرى، أمام تحديات سيفرضها وصول ترامب إلى البيت الأبيض، والذي لا يبدو أن لديها خيارات أو استراتيجية للتعامل معه. وفي محاولة منه لبدء «صفحة جديدة» مع ترامب، أجرى الرئيس محمود عباس، اتصالاً بالأخير، متناسياً ما قام به في دورته الرئاسية الأولى من الدفع بـ«صفقة القرن»، وإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل ونقله سفارة واشنطن إليها. وكالعادة، أبدى «أبو مازن» استعداده للمضي قدماً في عملية «السلام» والمفاوضات، فيما كرر ترامب أنه سيعمل على «إنهاء الحرب في غزة»، علماً أن هذا الاتصال هو الأول بين الرجلين منذ عام 2017.
أحمد العبد