طرح جعجع غير قابل للصرف
وسط التحدّيات التي تواجه لبنان جراء العدوان الإسرائيلي، أطلّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع باجتهاد سياسي – دستوري من خارج السياق، مفاده أنّ بالإمكان عقد جلسة نيابية لانتخاب رئيس الجمهورية من دون أن تشارك فيها الطائفة الشيعية… فما هي أبعاد هذا الطرح، وهل ينطوي على أي مقدار من الواقعية السياسية؟
غالب الظنّ أنّ جعجع يعرف في قرارة نفسه أنّ ما طرحه يعادل «عملة سياسية» غير قابلة للصرف، ولو في «السوق السوداء»، وأنّه لن يجد أي قوى وازنة تشاركه في طرحه المستجد، حتى ضمن بيئة المعارضة.
وهناك في الوسط السياسي من يلفت إلى أنّ المخاطر الراهنة المترتبة على العدوان الإسرائيلي تعزّز أكثر من أي وقت مضى الحاجة إلى أوسع توافق ممكن لتحصين الجبهة الداخلية، بالتالي كان يجب على جعجع اعتماد خطاب مغاير يلاقي الطرف الآخر ضمن مساحة مشتركة، بدل أن يدفع نحو قطع الخيوط الرفيعة معه، ويروّج لعزله بالترافق مع تعرّضه إلى الاستهداف الإسرائيلي، وكل ذلك باسم الدستور الذي يُراد «تطويعه» تحت شعار تقديم «الطاعة» له.
ولأنّ الطرح المقترح بعيدٌ من الواقع، فإنّ الثنائي الشيعي لم يُعِره أي اهتمام، خصوصاً أنّ كلاهما منشغل بمواجهة تحدّيات الحرب الإسرائيلية، ميدانياً وسياسياً. وعندما سُئل الرئيس نبيه بري عن رأيه في موقف جعجع، رفض على نحو كلي وحازم أن يُدلي بأي تعليق عليه.
لكنّ قريبين من حركة «أمل» يستغربون كيف أنّ جعجع يستسهل بهذه البساطة اقتراح عقد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية بلا التمثيل الشيعي، بينما رفض بري في المقابل إجراء الحوار الذي كان ينادي به من دون مشاركة «القوات اللبنانية»، علماً أنّ الحوار لا يرقى أصلاً في أهمّيته وحساسيّته إلى جلسة الانتخاب.
وتعتبر شخصية مسيحية على خصومة مع «القوات»، أنّ طرح جعجع ليس قابلاً للحياة، وهو وُلِد مثقلاً منذ اللحظة الأولى بتشوّهات تكوينية، مشيرةً إلى أنّ رئيس «القوات» انطلق في محاولته كسر الستاتيكو السياسي من فرضية مغلوطة أساساً، وهي أنّ «حزب الله» هُزم، في حين أنّ الحرب لم تنتهِ بعد، وأنّ قواعد الاشتباك الداخلي تعدّلت، فيما توازنات المجلس النيابي ثابتة.
وتلفت الأوساط إلى أنّ مفهوم جعجع المبتور للميثاقية يفتح أبواباً مغلقة، ويبيح أن يلجأ المسلمون في المستقبل إلى انتخاب رئيس الجمهورية بأكثرية 64 نائباً مسلماً + نائب مسيحي واحد، على قاعدة أنّ الميثاقية وفق تعريف معراب لها، تكون متوافرة في هذه الحالة.
وتشير الأوساط، إلى أنّ المشرّع أراد، عبر لحظه وجوب أن يكون نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية 86 نائباً، ضمان مشاركة كل المكوّنات اللبنانية في هذا الاستحقاق، وإلّا لكان قد اشترط فقط أكثرية النصف + واحد لتأمين النصاب.
وتشدّد الأوساط على أنّ الأعراف كرّست حقيقة ثابتة، وهي أنّ هناك 6 طوائف لبنانية أساسية تشارك في صنع القرارات الكببرة، وأنّ غياب أو تغييب إحداها إنّما يُسبّب خللاً في التوازن الوطني.
وتستغرب الأوساط كيف أنّ جعجع، الذي دفع خلال حقبة التسعينيات ثمن عزل وتهميش أركان الطائفة المارونية، يبادر اليوم إلى المطالبة بعزل أو استبعاد مكوّن لبناني آخر، وكأنّه لم يتعظ بعد من دروس التجارب.
وتضيف المصادر: «لو سلّمنا جدلاً أنّه تمّ انتخاب رئيس الجمهورية من دون النواب الشيعة، فكيف سيُشكّل هذا الرئيس حكومته لاحقاً، وهل سيستطيع أن يحكم وهو فاقد تماماً لتأييد مكوّن لبناني أساسي وثقته؟».
وتؤكّد الأوساط أنّ «اجتهاد» جعجع لن يجد مَن يَقبله لا عند السنّة ولا عند الدروز ولا حتى لدى أغلب قوى المعارضة بمَن فيها المسيحية، معتبرةً أنّ مَن قاطع لقاء معراب الأول والثاني هو بالتأكيد ليس معنياً بما ذهب إليه جعجع في «تعويذته» الرئاسية، أمّا من حضروا اللقاءَين فهم أضعف من أن يشكّلوا رافعة لها.
عماد مرمل