خاص الرابطة

ترك الجهاد والدفاع خوفاً سببٌ لِسَخَطِ الله تعالى


كتبه: المفتي الشيخ أحمد نصار رئيس كلية الدعوة الجامعية – 23\11\2024.


إذا دفع الجبن بالمسلم إلى ترك الواجب، أو كان الخور دافعاً لفعل المحظور وترك الجهاد والمجاهدة والمصابرة فإن هذا سيكون حتماً سبباً لسخط الله، واستجلاب عذابه، فكيف إذا كان الهلع والفزع سبباً للردة عن الدين! كمثل الذي سجد للشيطان خوفاً من الموت؛ فكان الموت جزاؤه، والنار مصيره خالداً فيها، وبئس مصير الجبناء…
إن صفة الجبن والخوف من القتل أو الكلم (الجرح) في سبيل الله هي أظهر علامات النفاق التي تجعلهم يفرحون بنجاتهم بسبب تركهم لوجب الجهاد في سبيل الله أو الدفاع عن حرمات الله والأرض والعرض وغيرها، قال تعالى: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). والمنافقون في أي زمان ومكان يقتدون بساداتهم الذين يعتقدون فيهم القوة، ويصنعوا صنيع كبرائهم الذين يرون في مناهجهم الحياة رغم فسادهم، وعادتهم الكذب حتى على أنفسهم، وديدنهم هو الهرب من كل موطن فزع أو حرب بين الحق والباطل، ذلك لأن النفاق إذا دخل قلباً، لا يمكن لهذا القلب إلا أن يكون رعديداً، ومشككاً في كل حقيقة ليبرر لنفسه، قال الله تعالى: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى معركة أُحد انخذل عنه أهل النفاق وكانوا ثلث الناس، يبررون فعلهم بقولهم: ما ندري علام نقتل أنفسنا. وإذا قيل لهم: تعالوا قاتلوا في سبيل الله أي لأجل دين الله وطاعته أو دفاعاً عن بلادكم وأموالكم وأهليكم، أو كثّروا من سواد المسلمين ليكون ذلك دفعاً وقمعاً للعدو. كان قول المنافقين: لو نعلم أن اليوم يجري فيه قتال حقيقي لاتبعناكم، لو نعلم أنكم تدافعون بحق عن البلاد والعباد لاتبعناكم، وهم بذلك كاذبون.
ويصور الله سبحانه وتعالى لنا صورة أخرى من صور النفاق بقوله جلّ وعلا: (فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِالْسِنَةِ حداد)؛ أي: إذا بَدَأْتِ الحَرْبُ والتَحَمَ المُقَاتِلُونَ رَأَيْتَهُمْ وَقَدِ اعْتَرَاهُم الخَوْفُ والهَلْعُ وَأَعْيُنَهُمْ تَدُورَ خَوْفاً، كَدَوَرانِ عَيْنِ الَّذِي غَشِيَهُ الْمَوْتُ، وَقَرُبَ مِنْهُ فَتَجْمدُ عَيْنُهُ وَلا تَطْرف، وإذا ذَهَبَ الخَوْفُ وَأَسْبَابُهُ، وَعَادَ الْأَمْنُ إِلَى النُّفُوسِ، أظهروا نفاقهم؛ فمنهم من يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ في الإعلام يتحدثون عَن بطولاتهم التي أظهَرُوها خلال المعركة وهم كاذِبون، ومنهم من يرفع صوته بحدة يبالغ في الشتم والذمّ والاتهام بتدمير البيوت والاقتصاد وخرق السيادة وغير ذلك.
إن الجبن من أشد الأوزار، واذا لم يدفعه المسلم قد يوبق دنياه وآخرته، وفي ذلك قال الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالِ أَوْ مُتَحَيْرًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، قد جمع الله لمن يفر من المعارك من عظيم الوعيد ما لا تطيقه نفس مؤمنة، وذلك بغضب الله عليها وأن تكون النار مأواها وبئس المصير. ولقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أمته لما أوصى أبا ذر رضي الله عنه: “لا تَفِرُّ مِنَ الزَّحْفِ فَإِنَّهُ مَنْ فَرّ مِنَ الزَّحَفِ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
إن إثم الفرار من الزحف عام في كل المعارك والغزوات، وإن الفرار من الزحف ليس من صغائر الذنوب، بل من الموبقات أي المُهْلِكاتِ التي شدد النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على اجتنابها بقوله: “اجْتَنِبُوا السبع الموبقات” وذكر منها: “الشرك بالله .. والتولي يَوْمَ الرُّحْف ..”. بل هي المصيبة العظمى والطامة الكبرى أن جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرار من الزحف كبيرة لا كفارة لها بقوله: “خمسٌ ليس لهنَّ كفَّارةٌ” وعدّ منها؛ “الشركُ باللهِ عزَّ وجلَّ والفرارُ من الزحفِ…”، فأهل الجبن هم أهل سوء الظن بالله، وأهل الشجاعة والجود هم أهل حسن الظن بالله.
إنَّ الخوف في مواطن الرعب، واشتعال الحرب هو شعور طبيعي لكل عاقل، ولكن الانجرار وراء هذا الخوف واتباع ما يوسوس به شياطين الإنس والجن، والتخلي عن الجهاد والثبات والرباط والإقدام في الحق، مهلكة للمسلم في بدنه وروحه. إن الاستسلام للعدو أو الهروب من مواجهته ورفض الواجب الشرعي تجاه الأرض والأخ وفلسطين والمقدسات.. ليس حلاً ولا حياة ولا نجاة ولا تقدماً ووطنية كما هو شعار المنافقين، فالأعداء ديانة لن يتركوا مجتمعاتنا وبلادنا وأمتنا من شرهم وكيدهم وفسادهم المتعدد والمتنوع، فيكون الجبان قد حاز المهالك كلّها، ففي الدنيا عار وشنار، وفي الآخرة أهوال ونار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *