سلطة رام الله لا ترتدع: الحرب على المقاومة ماضية
رام الله | يبدو أن إسرائيل غادرت مربّع مراقبة العملية العسكرية التي تشنّها السلطة الفلسطينية في مخيم جنين، لاستئصال المقاومة، إذ وبعدما وعدت بتقديم الدعم للسلطة، بالأدوات والاستخبارات، بدأت بممارسة ضغوط سياسية وعسكرية على رام الله لرفع وتيرة هجومها. ويُفهم ذلك في إطار ما نشرته «القناة الـ14» العبرية، من أن إسرائيل وجّهت تنبيهاً إلى الرئيس محمود عباس بقرب «انتهاء مهلة» العملية التي تنفّذها الأجهزة الأمنية في المخيّم الواقع شمال الضفة الغربية. ووفقاً للقناة، قالت إسرائيل لعباس: «لديك مهلة قصيرة لإنهاء العملية في جنين، وبعدها سنعود إلى العمل في شمال الضفة».
وتواصل الأجهزة الأمنية، منذ ثلاثة أسابيع، حملتها العسكرية في المخيّم ، بهدف إجبار «كتيبة جنين» على تسليم أسلحتها، والقضاء على كل مظاهر المقاومة فيه. وأسفرت الاشتباكات التي تواصلت أمس عن مقتل عنصر جديد من عناصر تلك الأجهزة، في وقت كانت فيه الأخيرة تشيّع جندياً آخر قُتل في اشتباكات جنين أول أمس. وبذلك، يرتفع عدد القتلى منذ بدء العملية، إلى خمسة فلسطينيين، بينهم قائد ميداني في «الكتيبة»، إلى جانب مصابين بينهم عناصر من أمن السلطة. وفي حين ترتفع حدّة الانتقادات الشعبية والحزبية للحملة الأمنية في المخيم، والمطالبات بوقفها، قمعت الأجهزة الأمنية، خلال الأيام الماضية، العديد من التظاهرات السلمية التي توجّهت إلى المخيّم للاطمئنان على الأهالي وتفقُّد احتياجاتهم.
لا تزال «كتيبة جنين» تبعث برسائل، سواء إلى السلطة أو إلى الجمهور، بأنها لا تريد المواجهة مع
الأجهزة الأمنية
ومع تجدُّد الاشتباكات في مخيم جنين، صباح الإثنين، رصدت عدسات الأهالي تحوُّلاً فيها، إذ ظَهر عناصر في الأجهزة الأمنية وهم يحملون قذائف «آر بي جي»، فيما جرى تناقل الصور بشكل واسع عبر الصفحات الفلسطينية، والتي تلقّفتها بعض وسائل الإعلام العبرية، ونشرتها مع تعليق: «اشتباكات في جنين بين المسلحين الفلسطينيين والأجهزة الأمنية الفلسطينية». ويطرح هذا التطوّر تساؤلات حول كيفية حصول الأجهزة على تلك القذائف التي تسبّب استخدامها أمس في احتراق منزل أحد المقاومين، وما إذا كانت ضمن المعدّات الجديدة التي زُوّدت بها من قِبل إسرائيل والولايات المتحدة. كما يثير ذلك مخاوف شعبية عميقة من أن يؤدّي إلى اتّساع رقعة الاشتباكات وتعميق الخسائر البشرية، ووصول الأمر في المخيّم إلى مرحلة «كسر عظم» يصعب الرجوع عنها.
وفي هذا الوقت، لا تزال «كتيبة جنين» تبعث برسائل، سواء إلى السلطة أو إلى الجمهور، بأنها لا تريد المواجهة مع الأجهزة الأمنية، ولا تريد لهذه المواجهة أن تتّسع وأن يُسفك الدم الفلسطيني. ووجّهت «الكتيبة»، مساء الأحد، رسالة إلى أجهزة السلطة دعت فيها منتسبي الأخيرة إلى «العودة إلى رشدهم»، محذّرة من «اختبار صبرها» على ما يجري في المخيم من اشتباكات. وأكّدت أن لديها معلومات تفيد باحتجاز الأجهزة الأمنية نحو 237 من عسكرييها بسبب رفضهم المشاركة في العملية، علماً أن ذلك يستند إلى قرار عباس بإقالة واعتقال كلّ عسكري يرفض الانخراط في الحملة. واعتبرت «الكتيبة» أن المطلوب من العملية هو رأسها وسلاح المقاومة، تحت ذرائع «الخارجين عن القانون»، ودليل ما تقدّم «رضى إسرائيل المعلن عن العملية ودراستها تزويد السلطة بالمعدات العسكرية والمعلومات الاستخبارية».
وأوضحت أن خطّتها للتعامل مع عناصر الأجهزة الأمنية تتكوّن من ثلاث مراحل: «الأولى، تفجير العبوات أمام المدرّعات وعدم إصابة المصفّحات من أجل أن تلتقطوا الإشارة، وأن لا تتمادوا، إلّا أنكم لم تفهموا الإشارة جيداً واستمررتم في غيّكم من خلال قطع الكهرباء والماء وإطلاق الرصاص المباشر تجاه بيوت أهلنا في المخيم، واعتقال الجرحى من المستشفيات بطريقة وحشية، وقمع المسيرات السلمية القادمة من خارج المخيم، وإطلاق القنابل المسيّلة للدموع على الأطفال وكبار السن المتضامنين مع أهله، وحتى خنساء فلسطين أم ناصر أبو حميد لم تسلم من بطشكم». وأضافت أنه «من منطلق كل هذه الغطرسة تمّ الانتقال إلى المرحلة الثانية المتمثّلة بإصابة المدرّعات في منطقة المقدّمة، ونعلم أن إصابة مقدّمة المدرّعة توقع إصابات وليس قتلى، كما حصل قبل ثلاثة أيام عندما قام مقاتلونا بإعطاب مقدّمة الآلية بشكل كامل وإصابة كل مَن كان في داخلها». وتابعت قولها: «بكل صراحة، إنّنا وأمام تعنّتكم ورفضكم لكلّ الحلول وكلّ المبادرات عبر رجال الإصلاح ومؤسسات حقوقية ولجان محلية وغيرها، فنحن مضطرون أن ننتقل إلى المرحلة الثالثة: المتمثّلة بالإصابة المباشرة لعبواتنا لحجرة مصفّحات جنودكم الذين جاؤوا لقتلنا ومصادرة سلاحنا سلاح الشهداء، وقد أُعذر من أنذر».
أحمد العبد