أخبار لبنانية

تغافل مقصود عن مخاطر السيادة والأمن؟

تقدّم تجارب دول أخرى مثل الهند والسعودية والأردن، دروساً مهمّة في مسألة الترخيص لشركة تبيع الإنترنت بواسطة الأقمار الصناعية، أي «ستارلينك». فهناك مسائل يجب درسها قبل منح الترخيص، مثل الشروط الأمنية والسيادية التي تشمل مكان تخزين البيانات وقدرة السلطات المحلية على متابعة حركة البيانات، وجدوى تأجير الطيف التردّدي من زاويتين؛ مالية تتعلق برسوم الترخيص السنوية، وتقنية للتأكد من ولوج الشبكة بواسطة بوابة محلية وانسجامها مع سائر الترددات العاملة في لبنان، فضلاً عن العوامل السوقية المتعلقة بمنع الاحتكار وضمان قدرة الدولة على التدخل في الأسعار.

من الناحية القانونية، لم يقم لبنان بأي خطوة تشريعية لتنظيم موضوع إدخال شركات بثّ الإنترنت عبر الأقمار الصناعية. بل تُرك النقاش مغلقاً على أنه يخصّ «ستارلينك» وحدها كخطة احتياط في حال تعطّل الاتصالات في لبنان. لكن في الهند مثلاً، خاضت الحكومة مفاوضات طويلة وشاقة مع «ستارلينك» قبل السماح لها بالعمل في السوق المحلية.

وبحسب مقال نشر في The Economic Times تحت عنوان «ترخيص شركة ستارلينك يحظّر نسخ أو فكّ تشفير البيانات الهندية خارج الهند»، فرضت الهند شروطاً واضحة مثل تخزين البيانات محلياً وإنشاء بوابات أرضية وطنية. أما السعودية، فقد اختارت نهجاً أكثر تحفظاً، إذ لم تمنح ترخيصاً بعد للاستخدام التجاري أو السكني، بل سمحت بالاستخدام فقط في الملاحة الجوية والنقل البحري.

يمكن فرض رسوم سنوية وحقوق هبوط (landing rights) على «ستارلينك»


لكن التحدي الأكبر في لبنان قد يكون مسألة السيادة. فالاتصالات عبر «ستارلينك» تتجاوز المشغّلين المحليين وتُضعف قدرة الدولة على المراقبة والتنظيم، خصوصاً أن قرار الحكومة بالسماح لـ«ستارلينك» بالدخول إلى السوق اللبنانية لم يلحظ إنشاء بوابات أرضية محلية تكون بمثابة بوابة فقط لدخول وخروج البيانات من وإلى الأقمار الصناعية. هذا الأمر قد يفتح الباب لوجود سوق موازٍ للاتصالات خارج سيطرة السلطات، ما يهدّد الإيرادات العامة ويُقوّض سلطة الدولة على البنية التحتية الوطنية.

المخاوف الأمنية والسيادية لا تقلّ أهمية عن الشق المالي الذي تعامل معه مجلس الوزراء اللبناني بشكل سطحي، وهذا يأتي عكس التجارب الدولية مع «ستارلينك»، فالهند منعت استخدام المحطّات غير المرخّصة، وربطت الأجهزة بنظام الملاحة الوطني، فيما تعاملت السعودية مع هذا الأمر بحذر خشية التجسّس أو الاستخدام العسكري. أما الأردن، فقد ربط الخدمة بشراكات وطنية. وفي المقابل، لم يفعل لبنان أي شيء من هذا القبيل.

إلى جانب البعدين القانوني والأمني، يشكّل الشق المالي والاقتصادي تحدياً مركزياً. فمن المهم أن يضمن لبنان حقوقه الاقتصادية والمالية الكاملة، على غرار كل التجارب العالمية مع «ستارلينك». الهند، على سبيل المثال، فرضت على «ستارلينك» مشاركة نسبية من الإيرادات تصل إلى 4% ورسوم سنوية على الترددات المُستخدمة، كما فرضت على الشركة أن تحقق نسبة تصنيع محلّي لسلسلة البنية الأرضية الخاصة بها، لا تقل عن 20%.

بالنسبة إلى لبنان، ليس معلوماً حتى الآن، أن المتفق عليه مع الشركة ينحصر بنسبة مئوية من العائدات المتوقعة من المشتركين (25%)، ولكن ليس هناك أي نقاش يتعلق بفرض رسوم سنوية وحقوق هبوط (landing rights) (عادة تتراوح بين 10 و15% من الإيرادات)، إضافة إلى منع الاحتكار عبر شبكات سياسية أو تجارية محلية، وهو أمر لم تلتفت إليه الحكومة. كما ينبغي ربط الترخيص بإنشاء محطات أرضية داخل لبنان وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية الوطنية.

ماهر سلامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *