Skip to content
عبد الباري عطوان
سيَدخُل عام 2024 التاريخ على أنه العام الذي سيشهد بداية الانهِيار المُتسارع لدولة الاحتِلال الإسرائيلي، وتفكّك المشروع الصّهيوني الذي ساعد على تأسيسه الاستِعمار الغربيّ على الأرض الفِلسطينيّة المُباركة على حِساب الأمّة العربيّة وكرامتها ومُقدّساتها قبل 75 عامًا.
عندما تفتتح المُقاومة بزعامة حركة “حماس” هذا العام الجديد، وتبدأ دقائقه الأولى بقصف تل أبيب بعشرين صاروخًا فشلت القبب الحديديّة في اعتِراض مُعظمها، وتُرسل أكثر من مِليونيّ مُستوطن إلى الملاجئ فيها هلعًا، وتحتفل هذه بنهاية عام وبدء آخر في حالةٍ من الرّعب، فإنّها النّهاية لمرحلة، وبداية لأُخرى مُختلفة كُلِّيًّا عُنوانها الأبرز هو انتِصار كبير للشّعب الفِلسطيني وكُلّ الشّرفاء العرب والمُسلمين وفي العالم.
قالوا لنا إنّ المُقاومة في القطاع فقدت السّيطرة، وجرى اجتِثاثها، بقُوّة العُدوان، ومجازره، وتطهيره العِرقي، واستِشهاد أكثر من 22 ألف مدني وإصابة 60 ألفًا آخرين، وتشريد مِليونين، ليأتي الرّد بالصّواريخ بعد 85 يومًا من العُدوان ممّا يُؤكّد صلابة هذه المُقاومة وقِيادتها، ودهاء العُقول التي خطّطت للهُجوم التّاريخي ونفّذته بدقّةٍ غير معهودة، ونفس طويل، وجُرأة إعجازيّة غير مسبوقة.
نتنياهو ومُعلّمه المُتصهين جو بايدن وتلميذه العُنصري الفاشِل أنتوني بلينكن، ومعهم رهطٌ من جِنرالات “الماضي”، اعتقدوا بأنّ العُدوان على غزة سيكون “نُزهة” تمامًا مِثل العُدوانات السّابقة على مُعظم الحُكومات العربيّة وجُيوشها التي رفعت رايات الاستِسلام في ساعاتِ الحرب الأولى، لتأتي النّتائج صاعقة، وصادمة في الوقتِ نفسه، ويمتدّ هذا العُدوان لما يَقرُب الثّلاثة أشهر، مُسَجِّلًا سابقة أطول الحُروب في المِنطقة، ودُونَ أن يُحقّق العدو أي من أهدافه، باستِثناء سفك دِماء الأطفال والنساء، والعجَزة، وتدمير 85 بالمِئة من بُيوت القطاع الصّامد صُمود الأسود دِفاعًا عن أرضه وكرامته، بل وكرامة الأُمّتين العربيّة والإسلاميّة، إنّه فعلًا شعب الجبّارين الذي لم ولن يستسلم مُطلقًا، والمُقاومة الكلمة الأُولى والأخيرة في قاموسه.
دولة الاحتِلال فقدت هيبتها، وجاء “طوفان الأقصى” ليُمَرمِغ صُورتها وهيمنتها في الوحل، ولم تعد ذلك الحصن الحصين والمنيع، مثلما لم يعد جيشها قادرًا على حِمايتها ومُستوطنيها، وانتهى عُمرها الافتِراضي، ولولا الجسْر الجوّي الأمريكي لجاء الانهيار سريعًا جدًّا، رغم حشد أكثر من 550 ألف ضابط وجُندي، واستِدعاء كُل جُنود الاحتِياط، وحشد أساطيل السّفن والطّائرات، والمُسيّرات، وأكثر من ألفيّ مُدرّعة ودبّابة نجحت فصائل المُقاومة بتدمير نِصفها والباقي في الطّريق.
لم يستطع جيش الاحتلال ورغم هذا العتاد الضّخم، وأكثر من ألفيّ جُندي “مارينز” أمريكي، أن يُحقّق أيّ من أهدافه، وأبرزها التّهجير القصري لأبناء القطاع إلى سيناء، والضفّة إلى الأردن، وأن يغتال القِيادات الميدانيّة المُؤمنة لحركتيّ “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، ولم يجد ما يتباهى به أمام مُستوطنيه إلّا اقتِحام منزل المُجاهد يحيى السنوار المهجور في مخيّم خان يونس، والعُثور على فردة من حذائه.
الاقتصاد الإسرائيلي خسر حتّى الآن ما يَقرُب من العِشرين مِليار دولار، وباتَ على حافّة الانهيار بسبب الهزيمة، ونُزوح أكثر من نِصف مِليون مُستوطن من شِمال فِلسطين المُحتلّة وجنوبها بحثًا عن الأمان، بعيدًا عن رصاص المُقاومة وصواريخها ومُسيّراتها، وأكثر ما يُوجع هؤلاء، ودولتهم هو قصف جُيوشهم، وهذا أحد أبرز إنجازات هذه المُقاومة المُباركة، فعندما ينزح المُستوطنون إلى الخِيام في النقب وإيلات في أقصى الجنوب، فهذا يعني أنّ التّاريخ يُعيد نفسه، وبشَكلٍ مُعاكس، والهُروب إلى الدّاخل هو مُقدّمة للهُروب النّهائي إلى الخارج بحثًا عن ملاذاتٍ آمنة دائمة في أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا، وربّما عند العرب المُطبّعين أيضًا.
الحرب تتوسّع، وسبع جبهات تشتعل، وستزداد اشتِعالًا في الأيّام القليلة القادمة للعام الجديد، فالجليل تحوّل إلى كُتلةٍ من اللّهب بفضل حرب الاستِنزاف وصواريخها ومُسيّراتها التي يُطلقها يوميًّا مُجاهدو “حزب الله”، أمّا القواعد الأمريكيّة في العِراق وسورية فباتت هدفًا يوميًّا لغاراتٍ صاروخيّة من كتائب المُقاومة في العِراق، ولا يُمكن أن ننسى الضفّة الغربيّة وقُدس الأقداس، فحدّث ولا حرج، حيث باتت النّزيف الأكبر للاحتِلال خارج القطاع لتصاعُد انتِفاضتها المُسلّحة، ومن المُتوقّع أن تُصبح قريبًا جدًّا كُتلة النّار التي ستَحرِق المُستوطنات ومن فيها، التي تقع على مرمى حجر من المُدُن والقُرى الفِلسطينيّة المُحتلّة ونُمورها.
نختم هذه المقالة الأُولى في العامِ الجديد ببُطولات الأشقّاء في اليمن، وهبّتهم الكُبرى لنُصرة أشقّائهم في قطاع غزة الذين يُواجهون الموت شهادة، وأعمال القصف والتّهجير والتّجويع، الأشقّاء في اليمن يُقدّمون الشّهداء أيضًا دُونَ تردّد، نُصرةً للقِطاع الصّامد، ويُغلقون البحرين العربي والأحمر، وقريبًا مضيق هرمز في وجه السّفن الإسرائيليّة.
الخطأ الأكبر الذي ارتكبته الولايات المتحدة وإدارتها “البايدنيّة”، في اعتِقادنا هو تورّطها “المُتدحرج” في الحرب مع الأشقّاء اليمنيين، واغتِيال عشرة شُهداء، وتدمير ثلاثة زوارق كانت في طريقها لاعتِراض سفينة إسرائيليّة في البحر الأحمر، إنّها إرادة الله جلّ جلاله وحكمته، فلم تُحارب دولة في التّاريخ، عُظمى كانت أو صُغرى، اليمن إلّا ومُنيت بهزيمةٍ مُجَلجِلةٍ، ابتداءً من الإمبراطوريّة العثمانيّة وانتهاءً بوريثتها البريطانيّة.
سيأتي اليوم الذي تترحّم فيه أمريكا على خسائرها في حُروب فيتنام وأفغانستان، إذا قَدّر لها الله بالوقوع في مِصيَدة الشّرفاء الأبطال في اليمن، لأنها ستكون بداية النّهاية والهُروب السّريع والمُكلف من المِنطقة العربيّة.. والأيّام بيننا.