الحرب الأمنية خطوة ما قبل الانزلاق
ناصر قنديل
– كل ما تقوله الحرب في غزة يؤكد أن القوات البرية لجيش الاحتلال على شفا الانهيار، فقد فقدت ألوية النخبة قدرتها على القتال بعدما خسرت أكثر من ثلث قوامها البشري، ومضى عليها ثلاثة شهور تقاتل بصورة متواصلة غير مسبوقة في تاريخ جيش الاحتلال، والتعويض بإدخال ألوية من الاحتياط تسبّب بتراجع الكفاءة القتالية والروح المعنوية، ويكفي لبيان ذلك متابعة ارتفاع رقم الخسائر البشرية في الإحصاء اليومي الصادر عن جيش الاحتلال، الذي رغم تخفيض حجم الخسائر دائماً إلا أنه بالنسبة والتناسب يكشف الفارق بين خسائر المرحلة الممتدة من أول السنة بالمقارنة مع ما قبلها، خصوصاً إذا اضفنا تكرار الحوادث الناجمة عن إطلاق النار من وحدات من الجيش على وحدات أخرى، وتسببها بإصابات كان آخرها ما جرى بإطلاق دبابة لقذيفة قاتلة على شاحنة متفجّرات على متنها عشرات الجنود المكلفين بنقل المتفجّرات الى أحد الأنفاق.
– بالتوازي مع استحالة الرهان على تحسن الأداء العسكري لجيش الاحتلال في غزة، مقابل ارتفاع مستوى كفاءة وأداء مقاتلي المقاومة بعد تأقلمهم مع نوعية انتشار قوات الاحتلال ومعرفة تكتيكاتها، يظهر استعصاء التأقلم بالنسبة لجيش الاحتلال مع المعادلات العسكرية التي فرضتها المقاومة على جبهة الحدود اللبنانية، وتحوّل هذه الجبهة الى مصدر صداع موازٍ لصداع غزة، سواء في قضية المستوطنين أو في حجم الاستنزاف العسكري، وبينما لا يجد جيش الاحتلال القدرة على إيجاد حلول عسكرية أو سياسية للمعضلتين شمالاً وجنوباً، تتقدّم الحرب الأمنية كبديل، سواء في الرسائل الموجهة للمقاومة الفلسطينية عبر الاغتيالات وأهمها كان في لبنان مع اغتيال الشيخ صالح العاروري، أو في تلك الموجهة للمقاومة اللبنانية مباشرة، إضافة لكسر معادلاتها لحماية المناطق اللبنانية باستهداف قادة فلسطينيين في الضاحية الجنوبية، بنقل الاستهداف لقيادات ميدانية في مواقع هامة في جسم المقاومة.
– طوّرت المقاومة في لبنان تكتيكاً فعالاً في مواجهة استهدافات جيش الاحتلال، بتحويل كل استهداف إلى مدخل لضربة منتقاة لموقع عسكري حساس في هيكلية جيش الاحتلال في المنطقة الشمالية، كما حدث في استهداف قيادة العمليات الجوية وموقع الرقابة والتحكم والسيطرة في العمليات الالكترونية فوق جبل الجرمق في قاعدة ميرون، رداً أولياً على اغتيال الشيخ صالح العاروري، وكما حدث باستهداف مقر القيادة العامة في الجبهة الشمالية في صفد. وفي العمليتين أثبتت المقاومة عبر استخدام أسلحة جديدة بصورة مكثفة، فعاليّة قدرتها على اختراق الدفاعات الإسرائيلية وبلوغ الأهداف، ذلك أن الصواريخ وصلت إلى ميرون والطائرات المسيّرة المفخّخة تساقطت في صفد، وفشلت منظومات التصدّي الإسرائيلية في منعها. وهذا السجال يبدو راجحاً لصالح المقاومة حتى الآن، لكن هذا سوف يفتح باب صعود السلم درجة أخرى، واعتماد الرد بصعود المقاومة لدرجة أخرى على السلم بالتوازي.
– في واحدة من العمليات الأمنية قد ينجح جيش الاحتلال باغتيال قيادي في موقع مفصلي يستدرج رداً على موقع عسكري شديد الحساسية، وقد يُقتل في هذه العملية عدد كبير من الجنود أو يسقط ضباط كبار، ويصعب على جيش الاحتلال إيجاد رد مواز بعمل أمني، فيلجأ الى القصف المركز خارج خطوط النار، واستهداف موقع يؤلم جسم المقاومة بعيداً عن خطوط النار، ويسقط فيه عدد من الشهداء، ويتجاوز الردّ على العملية القواعد السابقة. وهكذا يحدث الانزلاق التدريجي الى الحرب، خلال ساعات وليس خلال أيام.
– لبنان والمنطقة في لحظة حرجة توجب الترفع عن كل المواقف الصبيانيّة التي يطلقها البعض توهماً بتحقيق نقاط في الصراع الداخلي، بينما البلد على فوهة بركان حرب ليست هناك خريطة طريق تحفظ المصالح الوطنية لتجنبها، مع التذكير الدائم بأن بداية خرق ما أسماه الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بالخطوط الحمراء، كان كيان الاحتلال عبر عملية اغتيال القيادي في حركة حماس الشيخ صالح العاروري، بينما كان حزب الله يمارس أعلى درجات الضبط والسيطرة لتجنب مسار الانزلاق إلى الحرب الكبرى.
المصدر:”الأخبار”