عبد الباري عطوان
عندما يتحلى المرء بالشجاعة والجرأة والمروءة ولا يهاب الموت، ولا يخشى القوى العظمى مثل أمريكا وحاملات طائراتها، ويتطلع الى الشهادة، بل ويسعى اليها بشغف واستعجال ويؤمن بحتمية النصر، لا تستطيع أي قوة في العالم الوقوف في طريقه، وهزيمته، وتدجينه، مثل دول وشعوب اخرى، وخاصة في المنطقة العربية في الظروف الراهنة.
نحن نتحدث وبكل وضوح، عن اليمن، شعبا وحكومة، وقوات مسلحة، والمناسبة البيان الذي صدر عن العقيد يحيى سريع المتحدث الرسمي العسكري لحكومة صنعاء اليمنية الذي اصدره اليوم واعلن فيه “تنفيذ قوات بلاده البحرية، والقوة الصاروخية، وسلاح الجو المسيّر في القوات المسلحة اليمنية عملية عسكرية مشتركة، بعدد كبير من الصواريخ الباليستية، والمسيّرات، استهدفت سفينة أمريكية كانت تقدم الدعم للكيان الصهيوني”، وأضاف “يأتي هذا الهجوم كرد اولي على الاعتداء الغادر الذي تعرضت له قواتنا البحرية من قبل قوات العدو الأمريكي في 31 كانون اول (ديسمبر) الماضي واسفر عن استشهاد 10 من عناصره”.
نشرح أكثر، ونقول ان هذا الهجوم استهدف المدمرة الامريكية “يو أس اس لابون”، والمدمرة البريطانية “اتش ام اس دايموند”، وعدة سفن تجارية محملة بالبضائع والحاويات كانت في طريقها الى موانئ في فلسطين المحتلة.
نقول “تاريخي” لانه لم يحدث في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، ان هاجمت زوارق، او طائرات تابعة لاي دولة، مدمرات او حاملات طائرات أمريكية او بريطانية، فبمجرد ذكر اسم أمريكا يصيب معظم، ان لم يكن كل الجنرالات، والقادة العرب بالقشعريرة، ناهيك عن مهاجمة سفنها واساطيلها بعشرات الصواريخ والمسيّرات، وكإنتقام اولي لعشرة من الشهداء دمرت ثلاثة من زوارقهم المدمرة الامريكية المذكورة آنفا.
السيد مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى ذهب الى ما هو أبعد من ذلك في تصريحاته التي اطلقها قبل يومين، عندما قال “أمريكا تتدخل لدعم لـ”إسرائيل”، ونحن نتدخل لدعم اشقائنا في قطاع غزة”، وطالب واشنطن رسميا “بتسليم قتلة الجنود اليمنيين الشهداء العشرة”، واكد “ان حكومة صنعاء مستمرة في سياساتها وهجماتها لدعم الاشقاء في قطاع غزة من خلال اغلاق البحر الأحمر في وجه السفن الإسرائيلية، والأخرى الحاملة لبضائع الى موانئ دولة الاحتلال حتى يتم رفع الحصار ووقف حرب الإبادة في قطاع غزة”.
هذه الغطرسة الامريكية وجدت أخيرا من العرب القادرين على جدّع انفها، ومرمغة غطرستها برمال البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وجرها لدعمها مجازر دولة الاحتلال في غزة والضفة الغربية الى مصيدة ربما لن تستطيع الخروج منها الا مهزومة ومثخنة بالجراح، أين منها هزيمتها الأخيرة في أفغانستان، رغم التشابه بين أفغانستان واليمن جغرافيا وديمغرافيا على صعيد التخصص في هزيمة الغزاة في جميع العصور.
الإدارة الامريكية تعيش حاليا في مأزق اوقعتها فيه حليفتها الإسرائيلية بعد ان حاولت تجنبه في ذروة الحرب اليمنية التي استمرت 8 سنوات، من خلال تصحيح خطأها الكارثي، وسحب اسم حركة “انصار الله” اليمنية من قائمة الإرهاب، وبات امامها (أمريكا) ثلاثة خيارات في الوقت الراهن:
· الأول: التهور والاقدام على رد عسكري في البحر الأحمر، مثل اغراق ثلاثة زوارق وقتل 10 من طواقمها قبل بضعة أيام.
· الثاني: تطوير، او توسيع، تدخلها بشن غارات على المدن اليمنية مثل الحديدة وصنعاء اللتين تخضعان لسيطرة حكومة “انصار الله”.
· الثالث: ابتلاع الإهانة، وسحب قواتها من البحرين الأحمر والعربي تجنبا لحدوث الأسوأ، وإجبار حليفها الإسرائيلي على وقف الحرب والانسحاب من قطاع غزة.
نتمنى ان يقرأ الرئيس الأمريكي جو بايدن التصريحات التي ادلى بها وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروزيتو الذي نأت دولته بنفسها عن تلبية الدعوة الامريكية في الانضمام الى الحلف الأمريكي (حارس الازدهار) في البحر الأحمر، التي قال فيها “ان هجمات جماعة انصار الله اليمنية على السفن في البحر الأحمر يجب ان تتوقف دون تفجير حرب جديدة، وان هذه الازمة نتاج اندلاع حروب أخرى، ولن ارغب في فتح جبهة جديدة ثالثة (مشيرا الى غزة أوكرانيا) في الوقت نفسه”.
نعرف جيدا ان الرئيس بايدن لن يقرأ هذه التصريحات التي تتسم بالحكمة وبعد النظر وتجنب الهزائم، لانه ليس في كامل لياقته العقلية أولا، ولان المجموعة الصهيونية المحيطة به، وزعيمهم انتوني بلينكن وزير الخارجية ستحجبها كليا عنه ثانيا.
هذا الموقف المشرف لحكومة صنعاء، المدعوم من قبل الأغلبية الساحقة من الشعب في كل انحاء اليمن، تعيد بشكل متسارع اللحمة الوطنية اليمنية، وتسهيل عملية إنهاء الانقسامات والخلافات، لسبب بسيط وهو الولاء والوفاء والايمان بقضية فلسطين ودعم جهاد شعبها لتحرير الأرض والمقدسات، يظل موضع إجماع يمني.
حتى لا نُتهم بالمبالغة في هذا الإطار نشير الى تصريحات السيد عبد العزيز الجباري نائب رئيس مجلس النواب اليمني الذي يقف في الخندق المقابل لحكومة صنعاء، التي نشرها على موقعه الشخصي على منبر “الفيسبوك” قبل ايام وقال فيها “نرفض أي هجوم امريكي بريطاني على اليمن لان الهدف منه هو حماية إسرائيل وليس حماية الملاحة الدولية، ونحن في اليمن، ومهما كان الخلاف بيننا، لن نقبل بأي عدوان امريكي بريطاني على بلادنا”.
هذه المواقف اليمنية المشرفة المتحدية لامريكا، والمزلزلة لدولة الاحتلال، والداعمة للمجاهدين في غزة والضفة، وقد تكون بداية الانطلاقة لتغيير اليمن الى أمجاده وإرثه الحضاري الرائد، وستغير وجه المنطقة العربية، وتطهيرها من كل اتباع الاستعمار الأمريكي وعبيده الأذلاء، فالأشقاء في اليمن يقولون ويفعلون، ويتعهدون ويفون بالعهد.. والأيام بيننا.