بيونغ يانغ تُواصل التحدّي: أبعد من تجارب صاروخية
بعد نحو شهر واحد من إطلاقها صاروخاً باليستياً عابراً للقارات، من طراز «هواسونغ – 18»، في اتّجاه بحر الشرق، ومضيّ أيام معدودة فقط على إجرائها تمارين «نادرة» بالذخيرة الحية، قرب الحدود البحرية مع جارتها الجنوبية، ما استدعى مناورات مضادة من سيول، وإطلاق الأخيرة أوامر بإخلاء عدد من الجزر الكورية الجنوبية الحدودية، أعلنت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية، أمس، أن بيونغ يانغ أطلقت، بنجاح، صاروخاً باليستياً متوسط المدى، يعمل بالوقود الصلب، مؤكدة بذلك معلومات كانت سيول قد أوردتها في اليوم السابق، الأمر الذي يُنذر بعامٍ جديد من التوترات بين الجارتَين. وطبقاً لكوريا الشمالية، فإن الصاروخ الأخير مزود برأس حربي، وتفوق سرعته سرعة الصوت، فيما تهدف عملية إطلاقه، التي جرت في اتّجاه بحر الشرق أيضاً، إلى «التحقق من قدرات التحليق والمناورة الخاصة به، وكذلك من موثوقيّة محرك الوقود الصلب الجديد»، وسط معطيات تفيد بأنّ الصاروخ قطع مسافة الألف كلم. وعلى جري العادة، انكبّت كل من سيول وطوكيو وواشنطن على «تحليل المعطيات» حول العملية الجديدة، وإدانتها، ووضعها في إطار «الاستفزاز الواضح الذي يهدد السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية». كما دعت قوة خفر السواحل اليابانية السفن إلى أخذ الحيطة والحذر. على أنّه يمكن، عملياً، فهم الأسباب خلف الارتفاع في حدة التوترات بين الطرفين أخيراً، بالنظر إلى التصعيد الأخير، وربما غير المسبوق، في موقف كوريا الشمالية الرسمي من جارتها الجنوبية، والذي عبر عنه الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، في غير محطة في المدة الأخيرة. ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، وصف كيم، سيول، بـ«العدو الرئيس» لبيونغ يانغ، موجّهاً وابلاً من التهديدات لها، ومن خلفها حليفتها واشنطن. كما نقلت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية، الأربعاء الماضي، عن كيم قوله إن هذا هو التوقيت التاريخي المناسب، لـ«تعريف الكيان المسمى جمهورية كوريا (كوريا الجنوبية) كدولة أكثر عدائية تجاه (جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية)». ومن هنا، رأى الأستاذ في «جامعة إيهوا»، ليف-إريك إيزلي، أن عملية الإطلاق الأخيرة هي «أكثر من مجرد اختبار» عسكري، وذلك بالنظر إلى أنها تأتي مباشرة «بعد تصعيد نظام كيم للهجته الحربية تجاه كوريا الجنوبية، وقبيل زيارة وزير خارجية كوريا الشمالية لروسيا»، المقرّرة الأسبوع الحالي.
وعلى الرغم من «حدتها»، فإن التصريحات المشار إليها ليست مستجدة، بل تأتي استكمالاً لسلسلة من المواقف والخطوات التي تبنّتها بيونغ يانغ أخيراً. على سبيل المثال، دعا كيم، في الاجتماعات السنوية التي يعقدها الحزب الحاكم في بيونغ يانغ في نهاية كلّ عام، إلى تعزيز ترسانة بلاده العسكرية، نظراً إلى أن النزاع المسلح قد يندلع «في أي وقت». وقبل ذلك، كانت بيونغ يانغ، وفي تحدّ علني لكل خصومها وما يعرف بـ«المجتمع الدولي»، قد أعلنت أن وضعها كـ«قوة نووية» لا رجوع عنه، مؤكدة أنها لن تتخلى عن برنامجها للأسلحة النووية، ولا عن حقها في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها.
يمكن فهم الارتفاع في حدة التوترات، بالنظر إلى التصعيد الأخير في موقف بيونغ يانغ من سيول
وبالعودة إلى زيارة وزير الخارجية الكوري الشمالي إلى موسكو، فإن الأخيرة تتزامن مع تحذير العديد من المراقبين في الغرب من «التقارب» المتزايد بين روسيا وكوريا الشمالية، ولا سيما بعد الحرب في أوكرانيا. فالعام الماضي، وضعت بيونغ يانغ بنجاح قمراً للاستطلاعات في مداره، بمساعدة روسية. كما خصّ كيم، الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أيلول، بزيارة في أقصى الشرق الروسي، جنباً إلى جنب مع تبادل الطرفين للزيارات الديبلوماسية رفيعة المستوى في المدة الأخيرة، والتي أثارت قلقاً لدى حلفاء كييف، ولا سيما في ما يتعلق باحتمال إبرام موسكو وبيونغ يانغ «صفقة أسلحة» محتملة. ويحذر مراقبون من أنّ التخوف من «استعراض القوة» الذي تقوم به كوريا الشمالية يجب أن يتجاوز الخوف على جارتها الجنوبية، بذريعة أن «تعاون الأولى العسكري مع موسكو» سيضرّ كييف أيضاً، ويجعل من بيونغ يانغ أكثر استعداداً حتى «لتحدّي الولايات المتحدة وحلفائها»، في وقت «ينصبّ فيه الاهتمام العالمي» على الحرب في غزة والشرق الأوسط.