مقالات

حرب محور المقاومة تنجح بإطلاق ديناميكيّة جديدة: الانسحاب الأميركي ووقف النار على الطاولة!

ناصر قنديل

– ليست هناك تطورات دراماتيكية سريعة في خطوط القتال، من غزة الى البحر الأحمر الى جبهة لبنان وسورية والعراق، لكن على الطاولة خطاب سياسي جديد، سواء في واشنطن أو في تل أبيب، والتحولات الكبرى التي تحتاج وقتاً كي تتبلور كاتجاهات جديدة، ترافقها مفاوضات صعبة ومعقدة طلباً لمخارج أقل إحراجاً، تبدأ هكذا بتسريبات توحي بالخطوط العريضة للقبول بالنزول عن الشجرة من أحد طرفي الصراع، خصوصاً عندما تكون الأطراف المتحاربة لا تملك هوامش القدرة على تقديم تنازلات، ويكون الصراع قد بلغ مرحلة التمسك بمعادلات استراتيجية وأحياناً وجودية، وتكون موازين القوى غير قابلة للتسييل نحو امتلاك أي من أطرافها فرصة التفكير بالقدرة على الحسم العسكري.
– ما نحن أمامه هو كلام أميركي رسمي من البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية عن نقاش جدّي عنوانه خيار الانسحاب الأميركي من سورية، ربطاً بفرضية الانسحاب من العراق من جهة، ولا جدوى البقاء والتورط في مواجهات بلا أهداف من جهة مقابلة. وبالتوازي نحن أمام كلام رسمي من رئيس حكومة الاحتلال تتعامل معه وسائل الإعلام الإسرائيلية بطلب من مكتب نتنياهو، قيل استطراداً أمام عائلات الأسرى وتحول الى حدث سياسي، مضمونه أنه لا يزال يرفض ربط حماس لتبادل الأسرى بشرط وقف الحرب، لكنه مستعدّ لقبول وقف نهائي للحرب شرط الحصول على ضمانات دولية موقعة غير قابلة للانتهاك، ورغم أن الكلام الأميركي والاسرائيلي رسمي، فإنه أيضاً ليس قراراً ولا مساراً نهائياً، بل هو مسار تفاوضي يضع رأس جسر بحثاً عن سيناريو سوف ترسمه ثنائية عسكرية تفاوضية. فالمعارك لن تتوقف بل ربما تزداد ضراوة. وهذا هو التفاوض على صفيح ساخن، لكن أحداً لا يستطيع إنكار أننا امام جديد مهم، يقول إذا كان السؤال هو ما الذي يمكن أن تحصل عليه قوى المقاومة، فإن الجواب هو انسحاب أميركي من سورية والعراق ووقف للحرب على غزة، كمقدمة لطرح السؤال على قوى المقاومة، وهو ماذا عن المقابل الذي يمكن الحصول عليه؟
– هنا أيضاً لا تزال السقوف الأميركية والإسرائيلية لما هو مطلوب أو متوقع مرتفعة، سواء لجهة المسار الفلسطيني ومستقبل غزة، أو لجهة المسارات الموازية على الحدود اللبنانية والبحر الأحمر والعراق وسورية، لكنها سقوف تفاوضية، سيقرّر تحركها مسار المواجهات المقبلة والعروض المقدمة. وهذا هو التفاوض على صفيح ساخن، لكن هذا تحوّل كبير في مسار الحرب وتأكيد على أن خطر الانزلاق نحو الحرب الشاملة يتراجع، وفرضية التسوية الكبرى المفتوحة على فرص التطور تتقدم، وليس من باب الصدفة أن يتصدر الموقف الأميركي الجديد الحديث عن الانسحاب من سورية، وليس مصير البحر الأحمر أو الانسحاب من العراق، لأن الأميركي يدرك أن هناك شريكاً دولياً كبيراً مقابلاً في سورية هو روسيا، لا مثيل لوجوده في الملفات الأخرى، ويبقى بالرغم من مساحات التباعد والاختلافات والحروب الشريك الوحيد المحتمل في صياغة مشهد جديد للمنطقة وعبرها فتح الطريق لصيغة جديدة في العلاقات الدولية. وبالتوازي فإن الأميركي يدرك تماماً أن قوى المقاومة تملك قدرة التأقلم مع التمركز الأميركي في العراق ومياه البحر الأحمر، لكنها لا تستطيع ذلك في سورية، حيث الانسحاب الأميركي يشكل نقطة انطلاق مسار تعافي الدولة السورية واستعادة وحدتها وسيادتها، كركن وحصن وحضن في محور المقاومة، والانسحاب الأميركي من سورية حلقة محورية في تطلعات محور المقاومة وأهدافه.
– هذه التحولات غير المكتملة تؤكد أن حسابات وإدارة محور المقاومة للحرب خلال أكثر من مئة يوم كانت تعبيراً عن حس استراتيجي سليم في فهم قواعد المعادلات الكبرى والتعامل معها، وتقول بأن الديناميكية التي أطلقها محور المقاومة في جبهات المساندة، والصمود الأسطوري للمقاومة وللشعب الفلسطيني في غزة، فرضت مراجعة جذرية على جبهة العدو، التي مثلها ولا يزال التحالف الأميركي الإسرائيلي. صحيح أنها مراجعة لم تكتمل ، لكنها ليست الا البداية وشرط الاكتمال الإكمال، أي مواصلة الضغط حتى بلوغ نقاط تفاوضية يمكن البناء عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *