أخبار عربية ودولية

سيناريوات الردّ الأميركي: بايدن بين «الأمرّين»

حتى اللحظة، وفي انتظار «الرد» الذي توعّد به الرئيس الأميركي، جو بايدن، على مقتل 3 جنود أميركيين وإصابة 40 آخرين، في هجوم بطائرة مُسيّرة استهدف قاعدة للجيش الأميركي في الأردن، اتهم البيت الأبيض، رسمياً، الأربعاء، «المقاومة الإسلامية في العراق» بالوقوف خلفه، وإذ تشير التصريحات الرسمية الأميركية إلى أنّ الولايات المتحدة كانت «تزن» رداً يُمكّنها، في آن، من حفظ ماء الوجه، وعدم الغرق أكثر في حرب الشرق الأوسط، فإنّ حجم هذا الرد يبدو «غير واضح» بعد، ولا سيما أنّ العديد من المحللين العسكريين «والصقور» في الداخل الأميركي يضغطون في اتجاه اتخاذ إجراءات أكثر صرامة إزاء إيران تحديداً، بعدما أثبتت الهجمات التي تشنها حركات المقاومة في جميع أنحاء المنطقة، أن الإستراتيجية التي عملت عليها إدارة بايدن، منذ سنوات، لـ«احتواء» طهران «وحلفائها»، قد فشلت. وقد دفعت مثل هذه الخلاصات بالعديد من المراقبين إلى التحذير أخيراً، من أنّ «أزمة» واشنطن، المتمثلة في فشلها، حتى الآن، في إقناع رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بأي من «الحلول الأميركية»، وعدم قدرتها على الاستمرار في امتصاص «الصفعات» المتتالية التي تتعرض لها في الشرق الأوسط، أو المخاطرة ببدء «انسحاب كارثي» جديد لقواتها، قد تتفجر، عاجلاً أم آجلاً، على شكل إشعال الحرب «الأوسع نطاقاً» نفسها، التي تحرص على تجنبها. وفي محاولة للتغطية على الفشل المشار إليه، وتجنيب أنفسهم المزيد من الانتقادات حول استمرار وجود القوات الأميركية في المنطقة، ولا سيما في العراق وسوريا، في خضمّ المخاطر المتصاعدة المحيطة بها، يتحدث المسؤولون الأميركيون، بشكل متزايد أخيراً، عن ضرورة مراعاة الوضع الحساس «وغير المسبوق»، في الشرق الأوسط. وفي السياق، ورداً على سؤال حول ما إذا كان يُفترض بالولايات المتّحدة أن تكون قد اتخذت إجراءات «مسبقة» تستهدف «إيران وحلفاءها»، لـ«إنقاذ أرواح الأميركيين» الذين قضوا في هجوم الأردن، حاول وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي»، ينس ستولتنبرغ، الإثنين، تبرير سبب تمنع الولايات المتحدة عن «ضرب المقاومة بقوة أكبر»، قائلاً إنّ «الشرق الأوسط يشهد فترة عصيبة إلى درجة غير معقولة»، وإن واشنطن «لم تشهد وضعاً أخطر من ذاك القائم حالياً، في جميع أنحاء المنطقة، منذ عام 1973 على الأقل».

يتحدث المسؤولون الأميركيون بشكل متزايد عن ضرورة مراعاة الوضع «الحساس وغير المسبوق» في المنطقة


وينسحب ذلك الموقف على رئيس «وكالة الاستخبارات المركزية»، ويليام بيرنز، الذي يشارك في المجهود الأميركي لإبرام صفقة تبادل أسرى جديدة؛ إذ كتب، في مقالة في «فورين أفيرز» الأميركية، أنّه في «العقود الأربعة الماضية من عمله في الشرق الأوسط وحوله»، كانت المحطات التي بدا فيها الوضع في المنطقة بهذا المستوى من التعقيد «والتفجير» نادرة جداً، مشيراً إلى أن المهام التي على واشنطن القيام بها، وعلى رأسها إنهاء «العملية البرية العسكرية المكثفة» في قطاع غزة وإدخال المساعدات وتحرير الأسرى ومنع توسع الصراع وغيرها، تبدو صعبة للغاية. إلا أنّ «الأصعب»، على حدّ تعبيره، هو الاعتقاد بأنّه بالإمكان «الخروج من الأزمة الدائرة، من دون العمل بجدية على متابعة تلك الأهداف». ويقرّ بيرنز بأن «المفتاح» لضمان «أمن إسرائيل» والشرق الأوسط ككلّ هو إيجاد آلية لـ«التعامل مع إيران»، التي جعلتها «أزمة غزة» أخيراً أكثر جراءة، «ومستعدة على الأرجح للقتال حتى آخر وكيل إقليمي لها»، فيما تعمل، في الوقت عينه، على «توسيع برنامجها النووي، وتمكين العدوان الروسي»، على حدّ تعبيره.
على أنّ فشل الحراك الأميركي الديبلوماسي في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وبالتالي، وضع حدّ للهجمات التي تشنها حركات المقاومة نصرةً للقطاع، من جهة، وكذلك إخفاق الجهد العسكري في منع تلك الهجمات وتصعيدها على غرار ما يحصل في اليمن، من جهة أخرى، فتحا المجال أمام وسائل الإعلام الغربية والمحللين والمسؤولين للحديث عن سيناريوات «قاسية» ربما تكون في انتظار واشنطن في المنطقة. وفي السياق، نقل موقع «أكسيوس» عن مسؤول أميركي ومصادر مطلعة قولهم، الإثنين، إن بايدن يبحث مع مسؤولين أميركيين كبار «رداً عسكرياً كبيراً» على الهجوم الذي وقع في الأردن. وطبقاً للمصدر نفسه، وفيما يأمل كل من البيت الأبيض والبنتاغون أن يكون الانتقام «معتدلاً» ويضمن احتواء مخاطر اندلاع حرب إقليمية، فإنّ الضغط يتصاعد في المقابل داخل «الكابيتول هيل»، إذ يدفع «الصقور» في اتجاه شنّ ضربات «في الداخل الإيراني». وفيما كانت وزارة الدفاع الأميركية منكبة على وضع خطط للرد المحتمل، أجرت صحيفة «فورين بوليسي» الأميركية، من جهتها، مقابلات مع مجموعة من المسؤولين والخبراء السابقين، رأى فيها بعض هؤلاء أنّ «إحياء الجهود الديبلوماسية مع طهران» قد «يفي بالغرض».

«السيناريو الثالث»
من جهته، أشار «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» إلى أنّه حتى الأشهر الأخيرة، كانت إدارة بايدن واثقة من أنّها نجحت في «ردع» إيران، بغض النظر عن الهجمات التي شنتها «المليشيات التابعة لها»، في الأشهر الأولى من عام 2023، وأسفر أحدها عن مقتل متعاقد أميركي في آذار، متوهمةً بالتالي أنها أصبحت قادرة على نقل ثقلها إلى آسيا، كما تمنى الرئيس الأسبق، باراك أوباما، منذ 15 عاماً. على أنّ حرب غزة «قلبت هذه المعادلة»، بعدما بدأت الولايات المتحدة تتعرض لهجمات في العراق وسوريا والبحر الأحمر، فيما يستمر حزب الله وإسرائيل في تبادل الضربات على الجبهة الشمالية. وطبقاً لأصحاب هذا الرأي، فإنّ طهران أرادت، عبر الهجوم الأخير في الأردن، وضع بايدن أمام خيارين: إجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار في غزة أو «إعادة تقييم دعمها للأخيرة»، فيما تخاطر بتحمل الضربات اليومية من المقاومة في العراق وسوريا، تزامناً مع بدء بايدن حملته الانتخابية.
على أنّ «الرهان الإيراني»، طبقاً للمصدر نفسه، يبدو «محفوفاً بالمخاطر»، وقد يؤتي «نتائج عكسية»، تشمل توسّع الحرب. ويرجع ذلك، بحسب التقرير، إلى أنّ «الأمر الوحيد الذي لن يتقبله الشعب الأميركي أكثر من انخراط بلاده في الحروب اللامتناهية»، هو الهروب الفوضوي من بلد ما، من مثل تكرار سيناريو «الانسحاب الكارثي» من أفغانستان، والذي انخفض التأييد لبايدن، على إثره، من 60 إلى 40 في المئة. بتعبير آخر، فإنّ «دموية» الهجوم الأخير، وبدلاً من أن تدفع الإدارة الأميركية إلى تكثيف ضغوطها على إسرائيل لوقف إطلاق النار، فهي قد تولّد المزيد من الضغط على بايدن نفسه، للرد «بقوة أكبر على وكلاء إيران»، مثلما فعل سلفه دونالد ترامب. والعودة إلى نهج الأخير إزاء إيران، ستكون، بحسب المعهد، بمثابة اعتراف بأنّ جهود احتواء إيران في المنطقة «قد فشلت»، وأنّ اتباع «نهج أشد» أصبح ضرورياً للحفاظ على «موقع الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط وخارجه».

المصدر:”الأخبار”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *