نتنياهو يواصل المعاندة | أميركا لإسرائيل: هجوم رفح مقابل إنجاح المفاوضات
لم يكن أمراً عابراً أن يخرج منسّق «مجلس الأمن القومي» في «البيت الأبيض»، جون كيربي، ليعلن أن بلاده «ليس لديها ما يدلّ على نية إسرائيل شنّ حملة عسكرية في رفح»، ثم يأتيه الجواب في الصباح التالي، من مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي أعلن أن الأخير أوعز إلى الجيش بإعداد الخطط اللازمة لاجتياح رفح، إذ بات واضحاً أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، على قناعة بأنّ علاقتها مع نتنياهو لن تستقيم، وهو ما خلص إليه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في جولته الأخيرة في المنطقة، حيث عبّر عن انطباعاته السلبيّة أمام نظراء له من الدول العربية. وإذ يؤشّر ذلك إلى وجود قناعة جماعية بأن نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب سريعاً، ليس فقط للهروب من المحاسبة على الفشل الذريع في 7 تشرين أكتوبر، بل أملاً في بلوغ إنجاز لم يتحقّق بعد، وانتظاراً لـ«واقع جديد» في العالم، فإن «بيبي»، الخبير في الشؤون الأميركية، بات يتصرّف على أساس أن بايدن في طريقه إلى الخروج من «البيت الأبيض». ومما يساعده في هذا، أن محاولات إضعافه من داخل الحكومة، عبر إدخال «رجال أميركا» في إسرائيل، وعلى رأسهم بني غانتس وغادي آيزنكوت، إليها، لم تثمر، بل على العكس، حيث يظهر أن «الجنرالين» لديهما أيضاً ميلٌ إلى استمرار المواجهة مع «حماس»، وإن بحدود ودوافع مختلفة.ثم إن «بيبي»، قد لا يكون مُعجباً بحليفيْه المتطرّفيْن، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، لكنه لا يرى فيهما عقبة أمام خططه، بل هو يتصرّف انطلاقاً من أن أحداً لا يقدر على اقتلاعه من زعامة حزب «الليكود»، وحتى التحرّكات الاحتجاجية من قبل عائلات الأسرى، لا تبدو قوّية بما يكفي لجعله مضطرّباً أو خاضعاً لها. وإلى جانب ذلك كله، يعوّل نتنياهو على أن «المزاج العام» في إسرائيل، لا يزال يميل إلى دعم الحرب القائمة على غزة، بل ربّما حتى دعم حرب على لبنان أيضاً. وفي وقت سابق، عندما جرى الحديث عن مستوى مرتفع من الضغوط الأميركية، درس نتنياهو فكرة «التحالف» مع زعيم المعارضة يائير لابيد، مقابل التخلّص من بن غفير ورفاقه. لكنه أدرك أن مثل هذا التحالف قد لا يصمد لأكثر من مرحلة إقرار الصفقة مع «حماس». وعندها، سيعود ليجد نفسه أسير حسابات داخلية معقّدة، وسوف يضطر لأن يدفع أكثر لليمين المتطرّف، إن أراد إعادة رموزه إلى الحكومة، مجدداً، عدا خشيته من أن يعمد الجانب الأميركي إلى الضغط لقيام ائتلاف جديد لا يكون هو على رأسه، وحتى التحريض أكثر على إطاحته من زعامة «الليكود».
عملياً، يتصرّف الجميع الآن، على أساس أن هنالك «مشكلة» جدّية بين الإدارة الديموقراطية وحكومة نتنياهو، لا يبدو أنها قابلة لعلاج قريب، رغم المحاولات المستمرّة للحؤول دون تفاقمها، إذ لو أرادت واشنطن معاقبة نتنياهو، فهي مضطرة لأن تأخذ في الاعتبار أن هذا «الإضعاف» قد يصيب إسرائيل كلها، وهو ليس هدف أميركا. ومن جهة ثانية، فإن بايدن وفريقه صارا في حالة خشية من أن ينجح نتنياهو في توريطهما أكثر في الحرب، وربّما الحرب الإقليمية الكبرى، خصوصاً بعدما اضطرت واشنطن إلى التدخل العسكري المباشر في سوريا والعراق واليمن. وبحسب ما نقلت صحيفة «واشنطن بوست»، أمس، عن مصادر أميركية رفيعة، فإن ثمة «اعتقاداً متزايداً بأن نتنياهو يركّز على نجاته سياسياً واستبعاد أي هدف آخر». وقالت المصادر إن «بايدن وكبار مساعديه، يقتربون من القطيعة مع نتنياهو أكثر من أي وقت مضى منذ بدء حرب غزة»، وإن «الإدارة لم تعد تنظر إلى نتنياهو على أنه شريك يمكن التأثير عليه حتى في السرّ». وأشارت إلى أن «الإحباط المتزايد دفع مساعدي بايدن إلى حثّه على أن يكون أكثر انتقاداً لنتنياهو بشكل علني».
طلب بايدن من نتنياهو، إرسال وفد للمشاركة في اجتماع القاهرة يوم الثلاثاء
ومساء أمس، تلقّى نتنياهو اتصالاً من بايدن، بعد التوتّر غير المسبوق بينهما. وبحسب وسائل إعلام العدو، دام الاتصال بين الرجلين نحو 45 دقيقة، وتناول العملية العسكرية المحتملة في رفح، وصفقة تبادل الأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وفي حين طلب بايدن من نتنياهو، إرسال وفد للمشاركة في اجتماع القاهرة يوم الثلاثاء المقبل، والذي سيضمّ الشخصيات نفسها التي استضافها اجتماع باريس السابق، والتي توصّلت إلى ما عُرف بـ«اتفاق الإطار» التفاوضي، فهو أكّد «وجهة نظره بأن العملية العسكرية في رفح لا ينبغي أن تستمرّ من دون خطة موثوقة وقابلة للتنفيذ». ومن جهته، أبلغ نتنياهو، بايدن، بأن «إسرائيل ستلتزم بالقانون الدولي في عمليّتها في رفح». ويتّضح مما تقدّم، أن الأميركيين لا يرفضون كلياً عملية عسكرية في رفح، بل هم يقايضونها بمشاركة إسرائيلية أفعل وأكثر جدّية في المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة، وتبذل جهوداً لإنجاحها، و«يتمنّون» أن تجري بعد إجلاء عدد كبير من اللاجئين، والتنسيق مع الجانب المصري حولها. في المقابل، يبدو أن المصريّين لا يمانعون، بدورهم، عملية عسكرية منسّقة معهم. وهذا ما أفادت به «إذاعة الجيش الإسرائيلي»، أمس، بقولها إن «المسؤولين المصريّين أبلغوا الجانب الإسرائيلي بأنهم لن يعملوا على منع أي عملية عسكرية في رفح، إذا لم تمسّ بالمدنيين الفلسطينيين هناك».
وفي سياق متصل، نقلت شبكة «إن بي سي»، عن مسؤول أميركي قوله إن «الفجوات القائمة في صفقة التبادل لا تزال كبيرة، ويجب الانتهاء من كل التفاصيل في الصفقة»، لكنّ «التقدّم الكبير في الصفقة يمكن أن يحدث هذا الأسبوع».
المصدر:”الأخبار”