مقالات

لم يُجانب السيّد نصر الله الحقيقة عندما تنبّأ بخسارةِ إسرائيل لحربِ غزة حتى لو اقتحمت قوّاتها رفح.. ما الجديد الذي نُضيفه بحُكم تجربتنا العمليّة؟ ولماذا تُريد أمريكا حجب منصّة “تيك توك” الصينيّة بتَحريضٍ صُهيونيّ.. اعترافٌ بالهزيمة الإعلاميّة بفضلِ القطاع؟

عبد الباري عطوان

في خطابه الذي ألقاهُ أمس بمُناسبة بدء الأمسيات الرمضانيّة، أكّد السيّد حسن نصر الله قائد المُقاومة الإسلامية اللبنانيّة “أن إسرائيل خسرت الحرب حتى لو اقتحم جيشها مدينة رفح، لأنّ هذا الجيش باتَ مُتعبًا ومُستَنزفًا في الجبهات، وعدد قتلاه كبير جدًّا، وأن حركة “حماس” تتفاوض نيابةً عن المُقاومة، أمّا جبهات المُساندة فتُكمل عملها حتّى وقف العُدوان على غزة”.

هذه القراءة السّريعة والدّقيقة لتطوّرات الحرب في قطاع غزة، وجبهات المُساندة في اليمن وجنوب لبنان والعِراق، علاوةً على الضفّة الغربيّة، تعكس قناعةً راسخةً بأنّ إدارة محور المُقاومة وقياداته لاستراتيجيّة التي تقود المُواجهة على مُختلف الجبهات، كانت، وما زالت، نوعيّة وتملك نظرةً ثاقبة، ومُخطّط شامل ومدروس للتّعاطي بشَكلٍ مدروس مع كُلّ الاحتِمالات، وهذا ما أثبتته حرب غزة الأم طِوال الأشهر الخمسة الماضية من عُمرها.

دولة الاحتلال باتت وللمرّة الأولى في تاريخ الصّراع العربيّ الإسرائيليّ في موقع الدّفاع، وليس الهُجوم، مثلما كان عليه الحال طِوال السّنوات الـ 75 الماضية، ولم تعد تملك القُدرة على الحسم السّريع للحُروب، وجبهتها الداخليّة انهكتها الصّراعات والانقِسامات، وباتت عبئًا ثقيلًا على حُلفائها في الغرب بزعامة الولايات المتحدة.

الحرب ضدّها تتوسّع جبهاتها بشَكلٍ مُتسارع، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم استنزاف إسرائيل سياسيًّا، عسكريًّا، واقتصاديُّا، ومعنويًّا، فتكاليف الحرب الماليّة زادت عن 75 مِليار دولار حتّى الآن، وأعداد القتلى والجرحى في صُفوف جيشها بلغت عشرات الآلاف، إن لم تكن مِئات الآلاف، والجُنود باتوا يهربون من الذّهاب للقِتال في القطاع حتّى لا يعودوا لذويهم في الأكياس البلاستيكيّة السّوداء، ولُجوء القيادة الإسرائيليّة، ولأوّل مرّة في تاريخها إلى التّفكير باستصدارِ قانونٍ لتجنيد اليهود المُتديّنين المُتطرّفين “الحريديم”، يُؤكّد النّقص الكبير في صُفوف جيشها، مثلما يُؤكّد أيضًا فشل استِدعاء أكثر من 350 ألف جُندي احتياط بحسم معركة غزة.

الحرب الأكبر التي خسرتها دولة الاحتلال وحُلفاؤها في الغرب هي معركة الإعلام والهيمنة على صناعة الوعي والحرب النفسيّة والمعنويّة، والفضل في ذلك يعود بالدّرجة الأولى إلى ثورةِ وسائل التواصل الاجتماعي، ووجود جُيوش من “الميليشيات” الشّبابيّة العربيّة والإسلاميّة ومِن الشّرفاء في كُل العالم التي أدارتها بكفاءةٍ عالية وغير مسبوقة، بالصّوت والصّورة والحُجَج القويّة.

فعندما يُصوّت 352 نائبًا في مجلس النوّاب الأمريكي من مجموع 432 لاستِصدار قانون يحظر منصّة “التيك توك” الصينيّة، ومنْع 170 مِليون مُتابع لها من الوصول إلى منصّتها في الولايات المتحدة، فهذا اعترافٌ بالهزيمة من قِبَل اللّوبي الصّهيوني المُهيمن، وانتصار الإعلام البديل الذي تحقّق بدماء الشّهداء وصُمود المُقاومة في قطاع غزة، هذا التّصويت الذي تقف خلفه إسرائيل ولوبيّاتها في الكونغرس لم يُسَجّل بداية النّهاية للهيمنة الإعلاميّة، وإنّما لانهيار أُسطورة حُريّة التّعبير وقيم الحُريّات في العالم الغربيّ الكاذبة، يُسيطرون على الرّأي العام ليس في العالم الثالث فقط، وإنّما في العالم الغربيّ، مُنذ الحرب العالميّة الثانية، والآن لا يستطيعون التّعايش مع “التيك توك” التي تفوّقت على “ميتا” الفيسبوك والإنستغرام الصهيونيّة التي تحجب السرديّة العربيّة الفِلسطينيّة وتجاربها.

نتنياهو الذي انهزم في جباليا والمغازي والبريج ودير البلح وغزة ولم ينجح لأكثر من أربعة أشهر من السّيطرة على خان يونس، لن يستطيع البقاء يومًا واحدًا في رفح، وستكون هزيمته الأضخم في القطاع، وهذا سبب تردّده في اقتِحامها لأنّه يعلم جيّدًا أنها ستُؤرّخ لنهايته وبداية الانهِيار السّريع لدولته.

نحنُ أبناء القطاع بشَكلٍ خاص، وفِلسطين بشَكلٍ عام، ونعي ما نقول، بأنّه عندما يُحذّر بايدن نتنياهو من اقتِحام القطاع لا يفعل ذلك حِرصًا على الدّم الفِلسطيني، وإنّما حِرصًا على المصالح الأمريكيّة في الشّرق الأوسط والعالم التي تنهار الواحدة بعد الأُخرى، فأمريكا انهزمت في اليمن، وقبلها في العِراق، وقبل قبلها في أفغانستان، وهزيمتها في غزة ورفح ستكون دُرّة تاج المُقاومة، وستكون لنا ليننغراد أُخرى قريبًا.

أختم هذه المقالة بجُملةٍ مُعبّرةٍ جدًّا قالتها الدكتورة لورا بولمنفيلد الأستاذة في جامعة جون هوبكنز الأمريكيّة الشّهيرة “بايدن يُقدم على عمليّة بتر لنتنياهو لإنقاذ إسرائيل المريضة”.

بايدن لن يُنقذ إسرائيل، ولن يُنقذ أمريكا، فالخرق اتّسع على الرّاقع، بل سيُغرق البلدين في وحلِ الهزائم.. والأيّام بيننا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *