انقسام حول «تقنين» السلاح: «عشاق إسرائيل» الأميركيون يستنفرون
لا تزال المواقف التي أدلى بها الرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال مقابلته التلفزيونية مع شبكة «سي إن إن»، ولوّح فيها بوقف توريد بعض أنواع السلاح والقذائف إلى إسرائيل، في حال قررت اجتياح مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، تتردّد أصداؤها، سواء داخل الولايات المتحدة، وتحديداً في أوساط الحزبَين الديموقراطي والجمهوري، أو خارجها، ولا سيما في أوساط حكومة بنيامين نتنياهو.
في السياق والدلالات
فالمواقف التي عبّر عنها الرئيس الأميركي، بعد أيام قليلة من رفض إسرائيل الموافقة على اقتراح لوقف إطلاق النار في غزة قدّمته كلّ من قطر ومصر، وشروعها في عملية عسكرية في المدينة الواقعة على الحدود المصرية – الفلسطينية، حملت مؤشرات غير مسبوقة منذ بدء الحرب على غزة، ومن جملتها تحذيره المسؤولين الإسرائيليين من أن دخول المدينة، التي تستضيف أكثر من مليون نازح فلسطيني، يعني «(أنّنا) لن نسلّمهم مستقبلاً الأسلحة وقذائف المدفعية المستخدمة في حرب المدن». كذلك، ووسط تسريبات متواصلة في الإعلام الأميركي عن تعليق فعلي لشحنات أسلحة تشمل 1800 قنبلة زنة الواحدة منها 2000 رطل، و1700 قنبلة زنة الواحدة منها 500 رطل، كجزء من تبلور توجّه جدّي لدى البيت الأبيض لمراجعة الدعم العسكري الأميركي المقدّم إلى إسرائيل، بما فيه شحنات أسلحة من ذخائر «JDAMS»، التي تستخدم في توجيه «القنابل الغبية»، أتبع الرئيس الطامح إلى ولاية رئاسية جديدة، كلامه بالتعهّد بمواصلة «ضمان حماية إسرائيل وقدرتها على التصدّي لهجمات من داخل الشرق الأوسط، على غرار تلك التي تعرّضت لها أخيراً»، عبر مواصلة تزويدها بأنظمة ذات طابع «دفاعي».
وفي محاولتها استعراض أبعاد «الإنذار الرئاسي»، رأت شبكة «سي إن إن» أن ما قاله بايدن يدلّ على «استعداده لربط ملفّ الدعم العسكري لإسرائيل بسلوكها (السياسي والميداني)» في غزة، معتبرة أن ما جرى يُعدّ «بمثابة نقطة تحوّل في الصراع المستمر منذ سبعة أشهر». ولفتت، نقلاً عن مصدر مطّلع، إلى حالة «الإحباط العميق» التي عبّر عنها مسؤولون إسرائيليون لنظرائهم الأميركيين، عقب تهديد بايدن، وما يتمّ تداوله في الإعلام الأميركي حول مستقبل الدعم العسكري الأميركي لحكومة بنيامين نتنياهو. وتابعت أن «إقرار بايدن بأن القنابل الأميركية الصنع قد استخدمت لقتل المدنيين في غزة، يشكّل اعترافاً صارخاً بدور الولايات المتحدة في الحرب»، مشيرة إلى أن هذا الإقرار يأتي وسط ضغوط «شديدة» و»غير عادية» يتعرّض لها الرئيس، وخصوصاً من داخل حزبه الديموقراطي، تحثّه على تقييد الدعم العسكري لحكومة نتنياهو، في ظلّ تفاقم الوضع الإنساني في غزة.
وفي السياق نفسه، رأى موقع «ميدل إيست آي» أن «التقريع العلني التاريخي لإسرائيل، والصادر عن رئيس أميركي في سدّة الحكم»، يمكن اعتباره الموقف «الأقوى على الإطلاق» من جانب بايدن منذ بدء الحرب، مبيّناً أنه ينطوي على رغبة الأخير في «استثمار مليارات الدولارات من الدعم العسكري المخصّص لإسرائيل في تشكيل أدائها في الحرب على غزة». وذهب الموقع إلى القول إن ما صدر عن الرئيس الأميركي «تتجاوز مدلولاته مجرّد تعليق (بعض شحنات الأسلحة الهجومية لإسرائيل)، أو الشروع في إجراء مراجعة محتملة (في شأن تلك الشحنات)»، إذ يمكن اعتباره بمثابة «رسمٍ لخط أحمر عام» على هذا الصعيد ضدّ أقرب حلفاء الولايات المتحدة.
بدوره، لفت موقع «بوليتيكو» إلى أن تلويح بايدن بوقف شحنات السلاح لإسرائيل، بعد أيام من تأكيد «البنتاغون» تعليقه إرسال بعض القنابل الثقيلة (زنة 2000 رطل) المستخدمة على نطاق واسع في تدمير أنحاء واسعة من قطاع غزة، «يحمل إشارة إلى دخول الدور الأميركي من الحرب على القطاع طوراً لطالما تشوّق إليه الجناح التقدمي في حزب الرئيس». وأشار الموقع، نقلاً عن ثلاثة مصادر مطّلعة على المناقشات بين المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين خلال الساعات القليلة الماضية، إلى المخاوف الجدية لدى المسؤولين الإسرائيليين، جراء الخطوات الفعلية التي باشرت فيها إدارة بايدن لوقف شحنات أسلحة وذخائر لحساب تل أبيب، لافتاً إلى أن تلك المناقشات تشي بأنّ «توتر العلاقات الأميركية – الإسرائيلية بلغ مستويات غير معهودة قط». كما وضع الموقع الأميركي تطرُّق بايدن، خلال مقابلته، إلى التظاهرات المؤيّدة للفلسطينيين في سائر أنحاء الولايات المتحدة، وتأكيده أنّه «يستمع إليهم»، في إطار إظهار «التعاطف» مع شريحة واسعة من الجمهور الأميركي الرافض للإبادة في غزة.
الانقسامات تصيب «الديموقراطي»… «إسرائيل أولاً»!
إزاء ذلك، لم يكن مستغرباً أن تواجَه النبرة «المتشدّدة» المستجدّة من جانب بايدن، بردود فعل متفاوتة في صفوف الحزبين الديموقراطي والجمهوري. وجاءت أولى ردّات الفعل «المستبشرة» من المشرّعين المحسوبين على «التيار التقدمي» في «الديموقراطي»، وفي طليعتهم السيناتور عن ولاية ميريلاند، كريس فان هولين، الذي رأى أنّ ما أقدم عليه بايدن «يبعث بإشارة واضحة إلى أن الولايات المتحدة لن تكون متواطئة في المعاناة (الجارية في غزة)، وأنها في صدد مواصلة تحذيراتها لحكومة نتنياهو». كما أنّ زميله الآخر عن ولاية فرجينيا، تيم كين، وصف الأمر بـ»القرار الحكيم»، فيما علّقت النائبة الديموقراطية، بيكا بالينت، بالقول إن «جميع أجنحة كتلة (الحزب الديموقراطي)، باتت تشعر بأنه يتعيّن توجيه رسالة (تحذيرية) إلى نتنياهو، في ظل مواصلته التهديد بغزو رفح».
في المقابل، أوحت التعليقات الصادرة عن عدد من النواب الديموقراطيين، والمندّدة بتصريحات بايدن، بتحوّل الموقف من دعم الحرب على غزة، إلى إحدى سمات انقسام الحزب الديموقراطي على نفسه. فمن جهته، دان النائب عن ولاية نيويورك، ريتشي توريس، ما أدلى به رئيسه، على اعتبار أنه «يقلّل من صدقيّتنا كحليف» لإسرائيل، معتبراً أن بايدن ينطلق من دوافع انتخابية في هذا الخصوص، وفي مقدمها محاولته «استرضاء جناح اليسار المتطرف» داخل الحزب. بدوره، لفت النائب الديموقراطي عن ولاية فلوريدا، لويس فرانكل، إلى أنه لا بدّ من «الوفاء بالتزاماتنا (بأمن إسرائيل)» عبر الاستمرار بمواصلة توريد الأسلحة إليها، بدعوى أنها «محاطة بالخطر»، وأن «الإسرائيليين بحاجة إلى أدوات للدفاع عن أنفسهم». أما زميلهما جاريد موسكوفيتش عن ولاية فلوريدا، فقد لمّح إلى أن الرسالة الأميركية المتشدّدة ضدّ حكومة نتنياهو تحمل مضامين معاكسة تجاه حركة «حماس».
وعلى المقلب الجمهوري، اتّسمت المواقف بنبرة «تعاطف» ملحوظة مع الجانب الإسرائيلي، إذ عمد زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، أسوة برئيس مجلس النواب، مايك جونسون، إلى توجيه رسالة إلى بايدن يطالبانه فيها بالكشف عن تفاصيل إضافية عن حيثيات القرار بحلول نهاية الأسبوع. وفيما اتّهم جونسون الرئيس بمخالفة بنود حزمة المساعدات العسكرية التي أقرّها الكونغرس أخيراً، بقيمة 95 مليار دولار، من ضمنها 26 ملياراً لإسرائيل، شدّد السيناتور عن ولاية يوتا، ميت رومني، على أهمية وقوف واشنطن إلى جانب تل أبيب، مضيفاً أن «تردّد بايدن في إرسال أسلحة إلى إسرائيل يُعدّ سياسة سيئة، ورسالة مفجعة إلى إسرائيل وحلفائنا والعالم بأسره»، في نبرة انتقاد مماثلة تبنّاها ليندسي غراهام الذي رأى أنّ الخطوة «تقوّي إيران»، واصفاً إيّاها بـ»الخيانة».
خضر خروبي