فون دير لاين وميقاتي لم يقولا الحقيقة: نعم رشوة ومشروطة… ولا أموال!
شغل إعلان رئيسة المفوّضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، قبل أسبوع، عن «الرشوة» المُسماة «حزمة مالية بقيمة مليار يورو» للبنان، السياسيين والرأي العام، رغم نفي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في حديث تلفزيوني في اليوم نفسه، أن تكون الحزمة رشوة، مؤكداً أنها «غير مشروطة»، وهي «للبنان وتشمل القطاعات الصحية والتربوية والحماية الاجتماعية والعائلات الأكثر فقراً، إضافة إلى مساعدات الجيش والقوى الأمنية لضبط الحدود البرية وزيادة العديد والعتاد».وعليه، تنافست كتل نيابية ونواب على «تعريض أكتافهم»: نواب القوات اللبنانية الذين يجهدون لإزاحة تهمة دعم استقبال النازحين السوريين عن حزبهم أعلنوا التصدي للرشوة بالصدور العارية، ونواب الكتائب نسبوا إلى الرسالة «الرصينة» التي وجّهها رئيس حزبهم إلى الرئيس نبيه بري الفضل في تحديد الأخير جلسة 15 أيار الجاري لمناقشة «الهبة»، فيما أقلق «عدم الوضوح في كيفية توزيع المليار وصرفه» النواب بولا يعقوبيان وإبراهيم منيمنة وغادة أيوب. غير أن أحداً من هؤلاء جميعاً لم يلتفت إلى أن رئيسة المفوّضية الأوروبية كذبت، وإلى أن رئيس الحكومة ردّد كذبتها، ولم يكلفوا أنفسهم السؤال عما إذا كان الأوروبيون سيقدّمون فعلاً مبلغاً مماثلاً. فرشوة فون دير لاين للبنانيين هي فعلياً من «كيسهم»، إذ إن الاتحاد الأوروبي يدفع للبنان سنوياً أقل بقليل من 250 مليون يورو ضمن «خطة لبنان للاستجابة للأزمة السورية» بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية. وهذه خطة هدفها واضح و«مشروط» بضمان إبقاء السوريين في لبنان عبر منح العائلات النازحة مبالغ مالية شهرية ودعم اندماجها في المجتمع اللبناني. وضمن هذه الخطة، كان الاتحاد يبلغ وزارة الشؤون قبل عام بمساعدات العام الذي يلي، ولكن من دون أن تمر هذه الأموال عبر الوزارة، بل تذهب إلى منظمات دولية تعمد بدورها إلى التعاقد (sub- contracting) مع جمعيات محلية لتوزيع المساعدات على النازحين والمجتمع المضيف أو العائلات اللبنانية الأكثر هشاشة كما يعرّف عنها البرنامج. وطوال السنوات السابقة، كان توزيع المساعدات يتم بنسبة نحو 70% للسوريين و30% للبنانيين.
«المساعدة» للجيش لن تكون دولارات لعناصره بل معدّات وبرامج تدريبية لضمان منع هجرة النازحين إلى أوروبا
وبحسب المعلومات، جلّ ما فعله الاتحاد الأوروبي هو إعداد خطة لم تتضح معالمها بعد لإعادة جدولة طريقة توزيع ما يسميها المساعدات ليشمل جزء منها الجيش اللبناني. و«المساعدة» التي أغرت بها رئيسة المفوّضية الأوروبية رئيس الحكومة وسال لها لعاب البعض، لن تكون (إن حصلت فعلاً) على شكل دولارات تُدفع لعناصر الجيش الذين سيعملون حرّاساً لحدود الأوروبيين، بل على شكل معدّات وبرامج تدريبية ليتمتعوا بـ«الكفاءة» المطلوبة لضمان منع هجرة النازحين إلى أوروبا وإبقائهم ضمن الأراضي اللبنانية. ما يعني فعلياً أن لا حزمة مالية جديدة لدعم الاقتصاد اللبناني كما أعلنت فون دير لاين، ولا مساعدات إضافية أو غيرها بل مجرد تفكير في إعادة الجدولة. أما دعوة رئيس المجلس إلى جلسة الأربعاء المقبل للبحث في الهبة الوهمية بناءً على طلب ميقاتي من دون وجود أي اتفاق مكتوب أو إجراءات تقنية وعملية متفق عليها، فستقابلها الكتل النيابية التي ستحضر بغالبيتها بمساءلة الحكومة حول ما تمّ الإعلان عنه وحول عدم عملها، ورئيس الحكومة على مواجهة المخطط الأوروبي. وقد أبلغ بري زواره أنه لن يتحدث عن إعلان فون دير لاين بقدر ما سيتركّز موضوع الجلسة حول التشديد على عدم مساومة لبنان على موقفه من النزوح السوري الذي بات يشكل خطراً وجودياً، وأن على المجلس اتخاذ قرار موحّد بالوقوف في وجه الاتحاد الأوروبي والطلب من حكومة ميقاتي أن «تشدّ ركابها».
رلى ابراهيم