الشيطان في التفاصيل.. هل بدّل بايدن بُنود مُقترح “تهدئة غزة” سِرًّا؟ وما الذي فاجأ حركة “حماس”؟ وهل هُناك بُنود سريّة غير مُعلنة؟.. ولماذا ترفض إسرائيل ما قدّمته؟.. بُنودٌ غامضة و”فخ” المرحلة الثانية سيقلب الطّاولة
لا يزال الغموض سيد الموقف حول المبادرة “المفاجئة” التي قدمها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والمتعلقة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتبادل الأسرى بين حركة “حماس” والجانب الإسرائيلي.
ورغم أن ما طرحه بايدن هو بالأساس مبادرة إسرائيلية “مُعدلة”، إلا أنها تواجه رفضًا قاطعًا من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وهو الأمر الذي يزيد الغموض حول فحوى وبنود الصفقة السرية، وليست كما أعلنها الرئيس الأمريكي في خطابه الجمعة الماضية.
كما كشفت مصادر مطلعة عن مفاجأة أخرى حول المقترح الأمريكي، حين أكدت مصادر مطلعة أن الورقة التي تسلمتها حركة “حماس” لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، تختلف عن ما أعلنه بايدن.
وقالت المصادر إن “التفاصيل التي تسلمتها حركة حماس هي مقترح إسرائيلي مُعدل عن العرض الذي قدمته تل أبيب سابقا ورفضته الحركة”، مشيرة إلى أن هناك “اختلافا في بعض الكلمات يؤدي إلى تغيير في التفاصيل”.
وكذلك أكد رئيس الدائرة السياسية في “حماس”، سامي أبو زهري، أن المبادئ التي كشف عنها الرئيس الأمريكي، بشأن مقترح لوقف إطلاق النار غير متضمنة في ورقة أمريكية خاصة.
وأوضح أبو زهري في حديث مع “الجزيرة مباشر”، أن ورقة المقترح الموجودة لدى الوسطاء بعيدة تماما عنما ورد على لسان بايدن، مشددا على أن الورقة المطروحة هي “ورقة إسرائيلية تنسف كل ما سبق من جهود”.
وفي بيان صحفي آخر، قالت حركة “حماس”، إن الاقتراح الإسرائيلي الذي قدم في السابق، يختلف جذريا عن الاقتراح الذي قدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن نهاية الأسبوع الماضي، وطلبت توضيحات من الوسطاء.
وأضافت بحسب ما نقلت مواقع عبرية، أن الاتفاق يتضمن وقفاً مؤقتاً وليس دائماً لإطلاق النار.
كذلك فإن المقترح لا يربط المراحل الثلاث للاتفاق المنصوص عليه بشكل وثيق، بل على العكس من ذلك، فقد هدمت الجسور التي تنقل الاتفاق من مرحلة إلى أخرى بهدف تعطيل وحدة الاتفاق بكل مراحله واختزاله بمرحلة واحدة يتوقف فيها العدوان مؤقتاً، وتبقى قواته على أرض القطاع، ويحصل الاحتلال مقابل ذلك على الشريحة التي تهمه من الأسرى، ثم يستأنف حرب الإبادة ضد شعبنا
وقالت “إسرائيل ستعيد المختطفين، ثم ستواصل الحرب”.
وكررت “حماس” تفاؤلها بتصريح بايدن، لكنها كررت بأنه يختلف جذريا عن ذلك الاقتراح المقدم من إسرائيل.
وبحسب الخطوط العريضة التي قدمها بايدن، فإن المرحلة الأولى ستتضمن وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أسابيع، سينسحب خلالها الجيش الإسرائيلي من مراكز المدن في قطاع غزة ويبدأ إطلاق سراح المختطفين – النساء والمسنين والحالات الإنسانية.
وفي هذه المرحلة، سيتم أيضًا السماح لسكان قطاع غزة الذين نزحوا من منازلهم في بداية الحرب بالعودة إلى شمال قطاع غزة، وسيزداد تدفق المساعدات الإنسانية في الوقت نفسه ستبدأ المناقشات لإنهاء الحرب ولن يتجدد القتال طالما استمرت المفاوضات.
أما المرحلة الثانية فستشمل إطلاق سراح بقية المختطفين، ومن بينهم جنود واحتياط، مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، سينسحب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة أيضًا كجزء من المرحلة الثالثة، وفقًا للخطوط العريضة التي تم تقديمها، وهي بداية إعادة الإعمار وإعادة الجثث.
هذا التناقض الغريب، أثار كذلك غضب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فقال عضو مكتبها السياسي في لبنان، مروان عبد العال، خلال مقابلةٍ مع “الميادين”، إنّ ورقة بايدن تضمّ نقطةً خطيرة تتمّ مناقشتها مع الوسطاء، وهي عبارة “النقاش على شروط تنفيذ المرحلة الثانية”، مضيفاً: “نرفض أيّ اتفاقاتٍ مُلتبسة تضعنا أمام أحجية جديدة يستغلّها العدو”.
ولفت عبد العال إلى إنّ ورقة بايدن تحمل الاعتراضات الإسرائيلية على الورقة السابقة وحماس لم تستلم الورقة بالمعنى الرسمي، مؤكدًا أنّ “أول من سيجيب عن اليوم التالي للحرب فلسطينياً هي المقاومة”، متابعاً أنّ “الولايات المتحدة تبحث كيف ستهضم الواقع الجديد ما بعد انتهاء الحرب على غزّة، والذي يؤثّر على واقع المنطقة بشكلٍ كامل”.
وشدّد على أنّ “توسيع الاحتلال دائرة الحرب في الجبهة الشمالية في ظلّ فشله في قطاع غزّة، لن يوصله إلى أهدافه”.
وفي تصريح سابق، قال القيادي في حركة “حماس”، أسامة حمدان، إنه “لا يمكن أن نوافق على اتفاق لا يؤمّن ولا يضمن ولا يؤكّد على وقف إطلاق النَّار الدَّائم والانسحاب الشَّامل من قطاع غزة، وإنجاز صفقة تبادل جادة وحقيقية”.
وأضاف حمدان في مؤتمر صحفي سابق، “قد أبلغنا موقفنا للوسطاء.. أنَّه ما لم يكن هناك موقف واضح من الاحتلال الإسرائيلي بالاستعداد لوقف إطلاق النَّار الدائم.. والانسحاب الشامل من قطاع غزَّة، وهذا هو ما يمكن أن يفتح الباب واسعاً لإتمام الاتفاق”.
وتابع “الآن، نحن ننتظر الموقف الإسرائيلي الواضح من هذه المسألة التي تجد إجماعاً دولياً عليها، ونطالب الوسطاء بالحصول على موقف واضح من الاحتلال الإسرائيلي بالتزامه بوقف إطلاق النَّار الدَّائم والانسحاب الشامل”.
وأكد حمدان، “هذا الموقف الذي أبلغناه للوسطاء؛ وهو الموقف الوطني الذي يمثل الفصائل الفلسطينية وتؤكّد عليه، وأبلغته لفريقنا المفاوض والذي يمثلهم”.
وقال الكاتب والمحلل السياسي علاء أبو عامر، إن هناك صفقة قادمة، هذا الأمر بات واضحًا بشكل كبير، لكنها ستسير ببطء ليس لعدم استعجال المقاومة لوضع نهاية للحرب بل لعدم ثقتها بالأمريكان والإسرائيليين.
وأكد أبو عامر أنه لا يوجد فرق بين صهاينة أمريكا وبين صهاينة إسرائيل هدفًا وسلوكًا، مبينًا أن هذا الأمر كان يشتكي منه الرئيس الراحل ياسر عرفات أثناء مفاوضات التسوية الفاشلة لأن الأمريكان كانوا بجانب إسرائيل دائمًا.
وتابع ” العُقد دائمًا تكمن في التفاصيل، لذلك تحاول المقاومة توضيح بعض العبارات وعلى رأسها الاعتراف بوقف الحرب” وبين أبو عامر أنه ما قيمة أي اتفاق يسمح “لإسرائيل” باستئناف الحرب مرة أخرى بعد المرحلة الأولى. تصر المقاومة الفلسطينية على مطالبها الواضحة والعادلة، وقف لإطلاق النار وإنهاء للحرب، والانسحاب من قطاع غزة، وعودة النازحين، وإعادة الإعمار، وصفقة تبادل عادلة، غير ذلك لن تقبل المقاومة بأي اتفاق لا يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني.
وأمام هذا الغموض يبقى التساؤل المطروح.. هل مبادرة بايدن “فخ” إسرائيلي؟ وكيف ستخرج “حماس” منه؟
نادر الصفدي