أخبار عربية ودولية

200 عملية هدم منذ مطلع العام: الاستيطان يقضم الضفة والقدس

رام الله | عاشت قرية دوما الواقعة قرب مدينة نابلس، ليلةَ نار وبارود في ثالث أيام عيد الفطر، مساء الثلاثاء، وذلك بعد هجوم تعرّصت له على أيدي عشرات المستوطنين، الذين أطلقوا النار على المواطنين، وأضرموا النيران في الممتلكات والمركبات، ما أسفر عن إصابة ثلاثة أشخاص بالرصاص. ودوما، التي يقطنها قرابة 3,500 فلسطيني، وتحاصرها المستوطنات والشوارع الاستيطانية، لا تزال ذاكرة مجزرة عائلة دوابشة البشعة التي ارتكبها المستوطنون فيها قبل 10 سنوات، حيّة فيها، بيد أن المستوطنين لم يكتفوا بما ارتكبوه في حينه، إذ يبدو أن شهيتهم لا تزال مفتوحة على مزيد من القتل.

ويشعر هؤلاء بأنهم يعيشون «فترةً ذهبية» لممارسة ما يحلو لهم، من قتل وحرق ومصادرة أراضٍ وبناء مستوطنات في الضفة الغربية، في ظلّ الحماية التي يوفّرها لهم الجيش، والمستظلّ أيضاً بغطاء سياسي مفتوح، تجلّى خصوصاً في تصريح وزير الأمن الإسرائيلي، يسرئيل كاتس، أمس، عندما قال: «هجوم المستوطنين على دوما ليس إرهابياً، ومن الجيد أنني ألغيت أوامر الاعتقال الإداري بحق المستوطنين».

على أن هجوم أكثر من 300 مستوطن على قرية دوما لم يكن مستغرباً، كونه أعقب بساعات فقط تحريضاً تولّاه كاتس، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اللذان جالا في الضفة الغربية، ولا سيما في البؤرتَين الاستيطانيتين، «كيرم رعيم» و»سديه أوفريم»، واللتين تمّت شرعنتهما أخيراً على يد الحكومة الإسرائيلية. وقالت مصادر عبرية إن جولة الوزيرين تضمّنت جلسة مغلقة لنقاش «البناء الفلسطيني غير المرخّص» في المناطق «ج»، وأطلق كاتس على هامشها تصريحات زعم فيها أن «الضفة الغربية هي قلب دولة إسرائيل التاريخية، وفي أيام حرب السيوف الحديدية أبدينا اهتماماً بأمن الاستيطان اليهودي في الضفة… لم نهمل أمن المستوطنين، ولن نسمح للسلطة الفلسطينية ولا لـ»أبو مازن» بأن يشكّلا خطراً استراتيجياً على المستوطنين عبر ظاهرة البناء غير المرخّص.

سياسة حكومتنا واضحة والتعليمات إلى العاملين في الميدان أيضاً واضحة: تعميق سياسة تنفيذ القانون، وتوسعة عمليات المراقبة، وهدم المنازل غير المرخّصة من دون استثناء». وأضاف كاتس: «منذ عام 1967 وحتى اليوم، لم يحصل انقلاب كهذا في الضفة الغربية، الحكومة الإسرائيلية تعمل على ترسيخ الاستيطان هناك، ولن تسمح بسيطرة البناء العربي غير المرخّص، والذي أصبح آفة وطنية في العقود الأخيرة».

من جهته، تفاخر سموتريتش باعتراف حكومته وشرعنتها 28 مستوطنة، لافتاً إلى أن «عمليات تنفيذ القانون جارية في مناطق لم يُنفّذ فيها القانون في السابق»، من مثل منطقة المحمية المتّفق عليها في «غوش عتصيون»، ومنطقة إطلاق النار 918، وهي مصنّفة ضمن المناطق «ب»، أي إنها تخضع إدارياً للسلطة الفلسطينية. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، بدورها، أنه منذ بداية عام 2025، نفّذت إسرائيل نحو 200 عملية هدم في الضفة الغربية، حيث يطمح وزير المالية إلى أن يصل عدد هذه العمليات إلى ألف بحلول نهاية العام.

تمّ الترويج، منذ بداية العام الجاري، لما مجموعه 11,575 وحدة استيطانية في القدس


وكان مستوطنون شرعوا، صباح أمس، في أعمال توسعة في البؤرة الاستيطانية الملاصقة لقرية بردلة في الأغوار الشمالية، حيث تمّ تسجيل زيادة ملحوظة في بناء الوحدات الاستيطانية، وبناء معرشات جديدة، على بعد حوالى 200 متر من المنازل الفلسطينية. كذلك، صادق كابينت الاحتلال، أخيراً، على خطّة تقدّم بها كاتس، وتهدف إلى شقّ طرق جديدة في منطقة القدس المحتلة لربط المستوطنات وتوسعتها، وتحديداً في محيط مستوطنة «معالي أدوميم». وقالت الحكومة الإسرائيلية، في بيان، إن «القرار يشكّل خطوة تاريخية من شأنها تعزيز الاستيطان، والأمن، ورفاهية سكان المنطقة كافة»، في إشارة إلى المستوطنات الواقعة في المنطقة المعروفة باسم «E1»، والتي يراد منها فصل شمال الضفة عن جنوبها.

ويشمل القرار شقّ طريقيَن رئيسيَّين: واحد يربط بين قريتَي العيزرية والزعيّم، مخصص لحركة المركبات الفلسطينية من دون المرور داخل كتلة «معالي أدوميم» الاستيطانية، بزعم تقليل الازدحام في شارع رقم 1، وتخفيف الضغط على حاجز الزعيّم. أما الطريق الثاني، فيتعلّق بتخطيط ما يُعرف بـ»الطريق البديل 80»، وهو مسار التفافي جديد شرق «معالي أدوميم»، سيربط بين العيزرية والمنطقة الواقعة قرب قرية خان الأحمر إلى الشرق من مدينة القدس المحتلة.

وسيُموَّل المشروع عبر صندوق «خارج الميزانية» التابع لـ»الإدارة المدنية»، وخُصّصت له 335 مليون شيكل لشق الطريق بين قريتَي العيزرية والزعيّم، و10 ملايين شيكل لتخطيط «الطريق البديل 80». كما ستقدّم وزارة المواصلات الإسرائيلية دعماً للسلطات الاستيطانية لتنفيذ هذه المشاريع.

وفي السياق نفسه، بدأت «اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في القدس»، مناقشة ست خطط استيطانية جديدة لتوسعة أو إقامة مستوطنات في القدس المحتلة، تشمل 2,200 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات. ويشير هذا العدد الاستثنائي إلى مرحلة جديدة من التسريع المستمرّ للاستيطان في القدس الشرقية، بحسب ما جاء في بيان صادر عن منظمة «عير عميم». وتشمل أربع من الخطط الست المطروحة، أحياء فلسطينية، وتستهدف اثنتان منها إقامة مستوطنات جديدة بالكامل. ووفقاً للمعطيات، تمّ الترويج، منذ بداية العام الجاري، لما مجموعه 11,575 وحدة استيطانية في القدس، بعضها مجمّد منذ سنوات، وأعيد تفعيله أخيراً.

وأفاد الباحث في منظمة «عير عميم» الإسرائيلية المناهضة للاستيطان، أفيف تاتارسكي، بأنه «وفقاً لنهج الحكومة الإسرائيلية، يبدو أن السلطات تستغلّ الاضطرابات والهستيريا السياسية لتسريع عملية الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية»، معتبراً أن ما يجري «لا يُظهر فقط إصرارها على تعزيز سيطرتها على كامل القدس، بل وأيضاً سياساتها العدوانية وغير العادلة التي تضرّ بالفلسطينيين في المدينة».

وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، من جهتها، أن عدد تراخيص البناء في المستوطنات تضاعف ثلاث مرات في الربع الأول من العام الجاري، قياساً بعام 2024، بهدف فرض السيادة الميدانية. ومع استكمال عمليات الهدم الكبيرة التي يخطّط لها الوزيران كاتس وسموتريش، فإن الطريق إلى الضمّ وفرض السيادة قصرت أكثر.

أحمد العبد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *