التفاؤل قائم… حتى «خطاب الكونغرس»
يتبلور اتفاق تبادل الأسرى بين العدو الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، وإن كان التوصل إليه دونه عقبات من شأنها تأخير إنجازه. والظاهر أن لدى كلا الطرفين، وكذلك الوسطاء، نية لردم الفجوات في المواقف والتوقعات من الصفقة العتيدة، الأمر الذي يسمح للمراقبين بتوقع انفراجة، وإن كانت التجارب السابقة تدفع إلى الحذر. ولعلّ ما يعزّز تلك التوقعات، أن جولة التفاوض الحالية في الدوحة، والتي وُصفت بـ«الحاسمة»، تختلف عن سابقاتها؛ إذ في جعبة رئيس الوفد الإسرائيلي إليها، رئيس «الموساد» ددي برنياع، هذه المرة، صلاحيات تسمح له بإبداء المرونة خلال العملية التفاوضية، علماً أن لقاءات الدوحة الأحدث مخصّصة لتحويل التفاهمات التي جرى التوصل إليها سابقاً إلى اتفاقات مكتوبة، تمهيداً للبدء في دراسة التفاصيل، والتي تعدّ في ذاتها صعبة جداً، وخصوصاً لناحية تحديد أسماء الأسرى لدى الطرفين، والصعوبة المنتظرة في تحديد هوية الأسرى الإسرائيليين المفترض إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى، على اعتبار أن عدداً منهم باتوا مفقودي الأثر، وانقطع الاتصال مع محتجزيهم من المقاومين.وعلى أي حال، فإن مهمة برنياع المزدوجة في الدوحة، والمتمثلة في كتابة التفاهمات وتحديد أسماء الأسرى، تشير بطبيعة الحال إلى التقدم الذي جرى إحرازه حتى الآن. على أن ذلك لا يعني حتمية التوصل إلى اتفاق الآن، بل من المفترض أن تتبع هذه الجولة جولات إضافية، إن سارت الأمور كما هو مخطّط لها، ولم يتعمّد الجانب الإسرائيلي وضع العصي في عجلة المفاوضات، مثلما فعل سابقاً. واللافت، هذه المرة، أيضاً، أنه وُضع على الطاولة مطلب حركة «حماس» انسحاب جيش الاحتلال من معبر رفح، وهو ما كان العدو يرفضه، ويعمل ميدانياً على الحؤول دون الوصول إليه، عبر عمليات التجريف والهدم. كما أن اللافت، في هذا الإطار، أن إسرائيل تقود مفاوضات مع الجانب المصري موازية لمفاوضات الدوحة، مرتبطة بالسيطرة على المعبر ومحور فيلادلفيا، وما تقول مصادر إسرائيلية إنه «منع تهريب» الأشخاص والسلاح من الأراضي المصرية إلى القطاع.
التفاؤل النسبي مبنيّ، هذه المرة، على أسس قد تكون صلبة قياساً بالماضي
وعليه، فالتفاؤل النسبي مبنيّ، هذه المرة، على أسس قد تكون صلبة قياساً بالماضي، خاصة مع تليين حركة «حماس» موقفها من مسألة الالتزام المسبق بوقف إطلاق النار، والتي جرى ترحيل حسمها إلى المحادثات التي ستلي دخول المرحلة الأولى من الاتفاق حيّز التنفيذ، فضلاً عن تراجع العدو عن رفضه عودة الفلسطينيين إلى الأماكن التي نزحوا منها بلا شروط أو عراقيل. إلا أنه، مع ذلك، ثمة أسئلة تدفع إلى التشكيك؛ فهل تحوّل رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، من معرقل للاتفاق إلى مسهّل له؟ وهل قرر أخيراً دفع الثمن الذي كان يرفضه في الماضي؟ هل العملية البرية في رفح هي الشماعة التي باتت تمكّنه مما لم يكن قادراً عليه سابقاً؟ هل يستطيع الآن مواجهة شركائه من اليمين الفاشي، وتمرير صفقة تبادل يرفضها هؤلاء ويهددون بإسقاط الحكومة إن جرى التوصل إليها؟ هل في جعبة نتنياهو بدائل من حلفائه، تسمح له بالرهان على الإبقاء على حكومته؟ أو أنه يعوّل على أن هؤلاء الحلفاء لا يريدون خسارة مكانتهم في مركز القرار، وبالتالي فسيمتنعون في نهاية المطاف عن إسقاط الحكومة؟ وأخيراً، هل قرر بالفعل التوجه إلى انتخابات مبكرة، جرى الحديث عنها بقوة في الشهرين الأخيرين، في ظل اعتقاده بأنه سيستميل الناخبين إليه بإطلاق العدد الأكبر من الأسرى الإسرائيليين؟
الأكيد أن نتنياهو معنيّ، إلى حين حلول موعد زيارته واشنطن في الـ24 من الشهر الحالي لإلقاء كلمة أمام الكونغرس بمجلسيه، بأن يمرر الوقت من دون تظهير نفسه بصورة المعرقل التي طبعته في الأشهر الماضية، ما يعني أن المسيرة التفاوضية ستبقى مظلّلة بأجواء تفاؤلية حتى ذاك، ليكون من بعد الزيارة «لكل حادث حديث».
يحيى دبوق