مقالات

خطأ الجنرال الضيف الكبير الذي تُروّج له الاستخبارات الإسرائيليّة وأدّى إلى اغتياله المزعوم.. ما صحّته ولماذا ترويجه بهذه الكثافة الآن في الإعلام؟

عبد الباري عطوان

خرجت علينا أحد الصّحف الإسرائيليّة “البارزة” اليوم بعُنوانٍ عريض على صفحتها الأولى تُؤكّد فيه استشهاد المُجاهد محمد الضيف الجنرال القائد لكتائب القسّام الجناح العسكريّ لحركة “حماس” في الغارة الجويّة التي شنّتها طائرات إسرائيليّة على مِنطقة المواصي غرب مدينة خان يونس قبل يومين.

وزعمت الصّحيفة أنّ المُجاهد الضيف ارتكب أكبر خطأ في حياته عندما لبّى دعوةً من نائبه رافع سلامة قائد لواء القسّام في مِنطقة خان يونس، للقائه “فوق الأرض” في المِنطقة المذكورة آنفًا (المواصي) والتقطت المُخابرات الإسرائيليّة هذه المعلومة وصادق نتنياهو على عمليّةِ القصفِ فورًا.

إنّها قمّة الهذَيان والإفلاس، فلماذا يُغادر الجنرال الضيف غُرفة عمليّاته في أحد الأنفاق السّريّة تحت الأرض، للقاء نائبه وصديقه رافع فوق الأرض، وفي منطقةٍ مفتوحةٍ يُوجد فيها أكثر من مِليون نازح تزدحم بعشرات الآلاف من الخيام؟ ومن قال إنّ الجنرال رافع لا يتواجد في أحد الأنفاق أيضًا، وربّما النّفق نفسه الذي يُوجد فيه قائده الضيف؟ ثمّ هل هؤلاء الذين يخوضون أشرف الحُروب في تاريخ المِنطقة، وأطولها، وأكثرها إذلالًا للعدوّ الإسرائيليّ لديهم الوقت للتّسامُر، و”حفلات” العشاء فوق الأرض مثلما يدّعي الإعلام الإسرائيلي الكاذِب؟

المُجاهد خليل الحية نائب القائد يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في قطاع غزة كان مُبدعًا في تعليقه على عمليّة الاغتيال المزعومة التي هلّلت لها الصّحافة العبريّة وطبّلت في مهرجانِ احتِفالها بهذا “الإنجاز” الكاذِب عندما قال “إنّ الضيف يستمع الآن إلى أكاذيب الجيش الإسرائيلي، وبياناته، وتسريباته عن واقعة اغتياله واستِشهاده في مقرّ قيادته في أحد الأنفاق، ويَستَهزِئ بها، ويسخر من مُروّجيها الذين ردّدوها كأنّها حقائق مُؤكّدة”.

ربّما تكون هذه المرّة الثّامنة أو العاشرة التي احتفلت فيها المُخابرات الإسرائيليّة وصحافتها باغتيال الجنرال الضيف على مدى السّنوات الثّلاثين الماضية ولم تَعثُر حتّى على فردة حذائه، ولا تملك صورة حديثة أو قديمة له، رُغم كُل أقمارها الصّناعيّة وجواسيسها، وكُل الصّور التي جرى تداولها غير صحيحة، فهؤلاء القادة لا يبحثون عن الأضواء وعدسات التّلفزة على غِرار الآخرين في بعض الفصائل الأُخرى، وإنّما يُخطّطون لتحرير الأرض واستعادة الكرامة العربيّة المهدورة، وإلحاق الهزيمة النهائيّة القاضية بالمُحتلّين، ثأرًا لدماء وأرواح شُهداء فِلسطين والأمّة العربيّة على مدى 76 عامًا.

قيادة المُقاومة في قطاع غزة التي هندست مُعجزة “طوفان الأقصى” ومهّدت لها بمعركة “سيف القدس” التي انتصرت للمسجد الأقصى، وانتقمت من اقتِحامات المُستوطنين وتدنيسهم لحُرماته، وعزلت الكيان الصّهيوني عن العالم لأكثر من 13 يومًا بإغلاق جميع مطاراته، هذه القيادة تُشكّل كابوسًا مُرعبًا لنتنياهو والمجموعة المتطرفة المُحيطة به، ولهذا يُخطّطون ليل نهار لتحقيق أيّ عمليّة اغتيال على مدى الأشهر التسعة الماضية من عُمُر الحرب تقريبًا، لتحقيق انتصارٍ يتيم يُسوّقونه لرأيهم العام المرعوب، ودولتهم المُثخَنَةِ بالجِراح، وجيشهم الذي خسر هيبته لم يَعُد يُخيف أحدًا باستِثناء الدّول المُطبّعة.

جيش الاحتلال لم يتعوّد على خوضِ حُروبٍ طويلة، وإنّما على حُروبٍ خاطفةٍ ضدّ بعض قيادات عربيّة فاسدة وأُمّيّة، سواءً في كيفيّة بناء الجُيوش على أُسسٍ عمليّةٍ عسكريّةٍ صحيحة، أو تتمتّع بالنّفس الطّويل وفنّ إدارة الحُروب، وتطوير صناعة عسكريّة تُحقّق لها الاكتفاء الذّاتي في مُعظم المجالات، ولهذا أُصيب (الجيش) بحالةٍ من الصّدمة، وانعِدام الوزن، بسبب صُمود فصائل المُقاومة في القطاع، وإنجاز، وهندسة، وتنفيذ، مُعجزة “طُوفان الأقصى”، ولهذا يَحلُم جِنرالاته وقادته ليل نهار بالوصول إلى المُبدِعين مِثل السنوار والضيف، ومروان عيسى، ورافع سلامة وغيرهم كُثُر، واغتيالهم ولكن دُونَ أيّ نجاح.

قيادة المُقاومة في القطاع تُدرك جيّدًا الهدف اللّئيم وراء حملة التّزوير هذه التي تشنّها المُخابرات العسكريّة الإسرائيليّة بين الحين والآخر بادّعاء اغتيال هذا القائد أو ذاك، وتهدف إلى أمْرَين: الأوّل، توفير الغطاء لمجازر جيشها، والثّاني، إلى خديعتها ودفعها إلى مِصيَدةِ الخُروج إلى الإعلام ونفيها، لجمع المعلومات والصّور التي يُمكن أنْ تُفيدها في تحقيق أهدافها، ولهذا لم ولن تقع في هذه المِصيَدة الإعلاميّة والاستخباريّة لما تتمتّع به هذه القيادة من دهاءٍ غير مسبوق.

السنوار باقٍ، كذلك ساعده الأيمن الجنرال الضيف ونوّابه الميدانيّون ويُديرون المعركة بكفاءةٍ عالية، ويُحقّقون الانتِصارات باستنزافِ دولة الاحتلال ماديًّا ومعنويًّا، وبشريًّا ويذلّون جيشها وجنرالاته بإرادتهم القتاليّة العالية، وعُقولهم الجبّارة، وإيمانهم العميق، وتشوّقهم للشّهادة، وبدعمٍ قويٍّ من جبَهات المُساندة.

من يلجأ إلى الاغتيالات هو المهزوم في ميادين القتال، وليس بالكذب والتّزوير، وحرب الإبادة ولا بأعداد الشّهداء الأطفال تنتصر الجُيوش، مثلما يفعل الجيش الارهابي الإسرائيلي في الضفّة والقطاع وجنوب لبنان.. والأيّام بيننا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *