إسرائيل تراهن على ردع «أنصار الله»
لم تتبلور، إلى الآن، نتائج الهجوم الإسرائيلي على اليمن، ليس لناحية الخسائر البشرية والمادية فحسب، بل ما يتّصل بأهداف تل أبيب ورهاناتها على إمكان أن تُحدث الضربة تأثيراً، لجهة ردع صنعاء عن مساندة قطاع غزة، باعتبار «أنصار الله» واحداً من أهم مركّبات جبهات إسناد الفلسطينيين. لكن هكذا نتائج يتعذّر من الآن حسمها، كونها تتحدّد وفقاً لمروحة عوامل وأفعال وردود أفعال، لا يمكن استخلاصها بمجرّد اعتداء واحد، إذ ينبغي انتظار ما سيترتّب على سلسلة الضربات المتبادلة، والتي يُقدّر أن يلجأ إليها الجانبان.وباتت الجبهة اليمنية، بفعل العدوان الإسرائيلي الأخير، متداخلة في أسبابها ودوافعها، بين مساندة غزة، وبين المواجهة بالأصالة عن الذات، ما يعني أن قراراتها بالاستمرار أو الانكفاء، لن تكون مرتبطة بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة فقط، بل بعواملها الخاصة أيضاً.
وتمتلك صنعاء مروحة واسعة من خيارات الرد، لا تقتصر فقط على الردّ المتناسب في المستوى والحجم على اعتداء الحديدة، بل تتعداه إلى ما يتناسب مع ما سيلي الجولة الحالية، سواء في القدرة المباشرة على استهداف إسرائيل في أصولها وبناها التحتية العسكرية والمدنية، أو أصولها وما يرتبط بمصالحها، ومنها الحيوي جدّاً، في الخارج.
وفي المقابل، تُعدّ الضربة الإسرائيلية رسالة موجّهة أيضاً إلى الشريك الأميركي والأتباع في العالم والإقليم، بأن الاستراتيجية الأميركية لمواجهة صنعاء وهجماتها الإسنادية لقطاع غزة، باءت بالفشل، وبأن الرهان على هكذا استراتيجيات، تصفها تل أبيب بـ»الاحتوائية»، لن يجدي وسيتسبّب بتفاقم الهجمات، ما يوجب المبادرة إلى الهجوم وإيقاع إيذاء بمستويات تدفع صنعاء إلى الانكفاء، أو في حدّ أدنى، تحويل الإسناد إلى حدّه الأدنى الذي لا يجدي الفلسطينيين ولا يؤثّر في مسارات الحرب أو يدفع إلى قرار إنهائها.
ومع ذلك، لم يكن قرار إسرائيل بالردّ على استهداف تل أبيب سهلاً، على رغم أنه جاء بإجماع طاولة القرار، خاصة وأن الإدراك المسبق لدى مُبلور القرارات هو أن الانكفاء عن الرد، أو الرد المحدود والرمزي، أو مواصلة الاتكال على استراتيجية الصدّ والاحتواء الأميركية التي ثبت فشلها، هو أخطر من الامتناع عن الرد، في مقابل التيقن من أن الهجوم سيجر هجوماً مقابلاً، وربّما أيضاً مواجهة على مستوى تبادل ضربات لا يُقدّر أنها ستنتهي سريعاً. ويبدو أن تبادل الضربات، يزيد أيضاً من خطر اندلاع حرب متعدّدة الساحات، وبكثافة أكبر.
تُعدّ الضربة الإسرائيلية على الحديدة رسالة موجّهة أيضاً إلى الشريك الأميركي والأتباع في العالم والإقليم
وتتمنّى تل أبيب أن تكون محصلة المواجهة مع اليمن، التي بدأت للتو، مشبعة بالفرص مقابل تقلص التهديدات التي ستتسبّب بها و/أو تزيدها، وإنْ كان من المبكر تقدير ما سيلي من نتائج، خاصة وأن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تدرك أن فرص ردع صنعاء عن شن المزيد من الهجمات، ليست عالية. وترى إسرائيل أن اختيار الحديدة قد يسهم في جلب على أكثر من مستوى، لاعتقادها بأن معظم الهجمات التي يشنّها اليمنيون على السفن في البحر الأحمر تنطلق من ميناء الحديدة. ومن هنا، ينبغي أن يؤدي الهجوم على الميناء، بحسبها، إلى تعطيل القدرة على تنفيذ مثل هذه الهجمات، وإنْ كان التقدير المقابل لا يغادر طاولة القرار: سيحرص اليمنيون على مواصلة الهجمات، بهذا الشكل أو ذاك، ومن هذه المنطقة أو تلك، لتظهير فشل ضربة الحديدة.
كذلك، فإن من فوائد الضربة، بالنسبة لإسرائيل، أنها تظهر لليمنيين ومركبات محور المقاومة، في لبنان والعراق وسوريا، وفي المقدمة رأس المحور إيران، أن لدى تل أبيب يداً طولى قادرة على الوصول إلى أيّ مكان تريده، وهو ما يفّسر تسمية الاعتداء بـ»اليد الطولى». وكما ورد في تعليقات متواترة في الإعلام العبري، فإن «الهجوم على خزانات النفط بعث برسالة مدوية إلى الشرق الأوسط برمّته، وذلك من خلال صور ألسنة اللهب الهائلة، والتي بثّتها جميع شبكات الإعلام العربي، مطولاً». والمقدّر، مع ترجيح عالي المستوى، أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وصلت، في ظل التصعيد على الجبهة اليمنية، و»السخونة المرتفعة» على جبهات المساندة الأخرى، إلى مفصل مهمّ جدّاً في مسار التسبّب بمواجهة إقليمية شاملة، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول ما سيأتي. وإذا كانت الحرب على غزة هي التي تسبّبت بهذا الوضع، فلم تَعُد هي فحسب العامل الوحيد الذي يحدّد نهايته، وينهي تبعاته في الإقليم.
يحيى دبوق