تركيا تواكب رئاسيات أميركا: عودة ترامب الأكثر تفضيلاً
من بين رؤساء الدول الذين دانوا محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب (13 تموز)، لفت النظر اسم الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الذي أجرى، في الـ18 من الجاري، اتصالاً بالمرشّح الجمهوري، وصف فيه محاولة اغتياله بأنها «اعتداء على الديموقراطية»، مثمّناً «الشجاعة التي أظهرها ترامب بعد المحاولة الشنيعة»، ومعتبراً أن الأخير أظهر «زعامته القوية»، بقوله إنه «يعمل من أجل خفض الاستقطابات والتوترات». وأخيراً، هنّأه بترشيح الحزب الجمهوري رسمياً له لانتخابات الرئاسة المرتقبة في تشرين الثاني المقبل. على أن هذه التهنئة بالترشيح، لم تأتِ من فراغ، إذ يكاد يكون شبه محسوم تفضيل الرئيس التركي فوز ترامب بالرئاسة، على مرشّح الحزب الديموقراطي. فالعداء بين إردوغان، والرئيس الحالي جو بايدن، يعود إلى الحقبة الثانية من عُهدة باراك أوباما، حين انحازت واشنطن في سياستها الخارجية إلى جانب «وحدات حماية الشعب» الكردية في شمال سوريا، في محاولة لإقامة كيان كردي مستقلّ يشكّل، نظراً إلى انتمائه إلى تيار «حزب العمال الكردستاني»، تهديداً للأمن القومي التركي. أمّا النقطة الثانية التي كسرت ظهر العلاقات التركية – الأميركية، فهي محاولة الانقلاب العسكري التي قادتها مجموعة في الجيش التركي، في 15 تموز 2016، والتي اتّهم إردوغان، أوباما بالوقوف خلفها عبر عملائه في الجيش من أتباع فتح الله غولين، علماً أنه اتهام يسري بالضرورة على نائب الرئيس في حينه، جو بايدن.وفي ذلك العام، فاز ترامب بانتخابات الرئاسة على حساب هيلاري كلينتون، وعندما قرّر بايدن الترشّح لاستحقاق عام 2020 لمواجهة الرئيس الجمهوري، توعّد، أثناء حملته الانتخابية، بـ«إطاحة إردوغان ديموقراطياً». وكان لافتاً للانتباه أن العلاقات التركية – الأميركية شهدت، إبّان عهد بايدن، مناكفات كثيرة، على خلفية بعض المواقف التي تتبنّاها أنقرة من قضايا أطلسية، ومن العلاقات مع روسيا، ولا سيما موقفها الحيادي في الحرب الأوكرانية. لكنها كانت المرّة الأولى التي تشهد فيها علاقات البلدين، عدم حصول أيّ زيارة رسمية لأيٍّ من رئيسيهما لبلد الآخر، علماً أن ترامب استقبل إردوغان مرتين في البيت الأبيض، عامَي 2017 و2019.
وفي عهد بايدن أيضاً، تعزّزت العلاقات الأميركية مع قوات «قسد» ذات العصب الكردي في سوريا، فيما اعترضت أنقرة على التحوّل الذي طرأ على علاقات واشنطن وباريس مع أرمينيا، ولا سيما أن الرئيس الأميركي اعترف للمرّة الأولى، عام 2021، بحصول «إبادة» ضدّ الأرمن على يد الأتراك عام 1915، وكرّر ذلك في الأعوام التي تلت.
في المقابل، لم تكن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة في عهد ترامب جيّدة على طول الخط، بل تأرجحت بين الهدوء والتوتّر، وخصوصاً أن الرئيس الأميركي في حينه، خاطب نظيره التركي بصفات شنيعة من مثل «لا تكن أحمقاً»، مهدّداً بتدمير اقتصاد بلاده إذا لم يُطلق سراح القس آندرو برونسون من السجون التركية، كما فرض عقوبات على تركيا على خلفية صفقة «إس-400» الروسية. غير أن أنقرة لا تزال تحتفظ لترامب بموقفَين إيجابيَين: الأول أنه اتّخذ قراراً بالانسحاب من سوريا في نهاية عام 2018، قبل أن يتراجع عنه تحت ضغط «البنتاغون» لِما له من انعكاسات خطيرة على الخطط الأميركية في المنطقة؛ والثاني، إبرام نائب الرئيس الأميركي السابق، مايك بنس، الذي جاء إلى أنقرة في 19 تشرين الأول 2019، اتفاقاً يتيح تدخّل الجيش التركي واحتلال المنطقة الواقعة بين تل أبيض ورأس العين وبعمق يصل أحياناً إلى 30 كيلومتراً.
وهدّد الجيش التركي، عدة مرّات في ما بعد، باجتياح مناطق الأكراد في شرق الفرات، لكن رفض واشنطن في عهد بايدن كان يحول دون ذلك. واليوم، في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، سيتجدّد رهان تركيا على أن يتّخذ قراراً بالانسحاب من شرق الفرات بما يحقّق هدفاً تركيّاً رئيساً، أو في أسوأ الأحوال أن لا يعترض على غزو تركي جديد لمناطق في شرق الفرات، فيما سيعني فوز المرشح الديموقراطي «استمرار التوتّر في العلاقات التركية – الأميركية». ويقول السفير المتقاعد، ألبير جوشكون، إن العهود الجمهورية دائماً ما كانت أفضل بالنسبة إلى تركيا. لكنه يرفض اعتبار التواصل الشخصي على الهاتف بين ترامب وإردوغان معياراً لعلاقات جيدة بين البلدين. فوفقاً لجوشكون، فإن ذهاب الديموقراطيين يزيد من فرص انسحاب الأميركيين من سوريا ويجعل من رهان أنقرة في محلّه. ويضيف أن قرب ترامب من بوتين على الصعيد الشخصي، قد يُخرج العلاقات التركية – الروسية من أن تكون سبباً في الخلاف بين واشنطن وأنقرة. ومن جهتها، تلفت الباحثة في جامعة «قادر خاص»، سينيم آق غول آتشيقميشيه، إلى أن فترة بايدن خلت من التواصل مع تركيا، باستثناء قضية انضمام السويد وفنلندا إلى «الناتو».
محمد نورالدين