عودة ترامبية إلى موقع «الدفاع»: هاريس تحسّن أوراقها
تحولات دراماتيكية متسارعة تعصف، منذ بضعة أسابيع، بالمشهد الانتخابي الأميركي؛ فعلى المقلب الديمقراطي، تستعد نائبة الرئيس، كامالا هاريس، بعدما ضمنت أخيراً عتبة العدد المطلوب للمندوبين لتصبح المرشحة الرئاسية بدلاً من الرئيس جو بايدن، لاختيار مرشحها لمنصب نائب الرئيس. والظاهر أن هذا الخيار بات محصوراً بين حاكمَي بنسلفانيا جوش شابيرو، ومينيسوتا تيم والز، وفق ما أفادت به وكالة «رويترز»، على أن يُعلن اسم النائب قبل التجمّع الانتخابي في فيلادلفيا، اليوم، بحسب مصادر شبكة «إن بي سي».
حملة هاريس تختار «النائب»: ماذا في خلفيات التسمية؟
وإذ تحضر في بورصة الترشيحات، أسماء عدة، أبرزها حاكم ولاية مينيسوتا، وعضو مجلس الشيوخ الأميركي عن أريزونا مارك كيلي، وحاكم ولاية بنسلفانيا، تبدو حظوظ هذا الأخير مرتفعة، بالنظر إلى قدرته على استمالة الولايات المتأرجحة، وتحديداً بنسلفانيا، حيث ارتفعت أسهم الرئيس السابق، دونالد ترامب، بعدما تعرّض لمحاولة اغتيال فيها. وبحسب مراقبين، فإن الاسم الذي سيقع عليه الاختيار من شأنه أن يقدّم ملامح أولية في شأن الاستراتيجية التي ستعتمدها هاريس، ذلك أنه في حال تسميتها لكيلي (وهو مستبعد)، فإن الأمر سيعني اهتمامها بمعالجة ضعف موقفها في ملف الهجرة، بالنظر إلى المواقف المتشدّدة لسيناتور أريزونا، فيما سيشي اختيارها لوالز، بتركيز حملتها على محاولة استقطاب أصوات الريفيين والبيض، لِما يتمتع به الرجل من شعبية في صفوف هؤلاء.
وسوف يلي قرار الإعلان عن اسم نائب الرئيسة، تدشين ثنائي الحملة الرئاسية للديمقراطيين، بدءاً من اليوم، جولة انتخابية ستشمل سبع ولايات أساسية في البلاد على الأقل، ولا سيما أن بعض استطلاعات الرأي أَظهرت تخلّف هاريس عن ترامب بنسبة تراوح بين 2% و10% في ولايات كبنسلفانيا وميشيغان، اللتين تستحوذان على 19 صوتاً و15 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي على التوالي، وتُعتبران من مفاتيح الفوز للديمقراطيين في «رئاسيات 2024». ومن المقرّر أن تُبث الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي، كـ»تيك توك»، و»إكس»، وذلك في إطار ما واظب عليه الحزب الديمقراطي من اهتمام بمخاطبة فئة الشباب، المقدّرة أعدادهم بنحو 40 مليون شخص، وممَّن تراوح أعمارهم بين 18 و27 عاماً، علماً أن هؤلاء يميلون تاريخياً إلى التصويت لمصلحة الديمقراطيين. وضمن هذا الاتجاه، يندرج نشر الحملة مقاطع فيديو لهاريس في حفلات الراب، ومشاركتها في البرنامج التلفزيوني الشبابي «روبولز دراغ رايس»، ومخاطبتها الشباب بوصفهم الشريحة التي «نعوّل عليكم لضخّ الحيوية والتنظيم والتعبئة»، وفق تعبيرها.
بدا الارتباك واضحاً على الأداء العام للجمهوريين، بعدما فوجئ ترامب بقرار انسحاب بايدن من السباق الرئاسي
وفي انتظار الإعلان الرسمي في مؤتمر الحزب المقررّ انعقاده أواخر الشهر الجاري في شيكاغو، والذي سيشكّل فرصة مناسبة لهاريس لعرض برنامجها الانتخابي أمام الجمهور الأميركي، تتسلّح المرشحة بأكثر من عامل تفوّق على خصمها الجمهوري، خصوصاً على مستوى التبرعات، إذ تمكنت حملتها من جمع 310 ملايين دولار في تموز الماضي، أي ضعف المبلغ الذي جمعته الحملة المنافسة. وإذا كانت عوامل عدة كملف الهجرة، وواقع وجود حالة من العنصرية والتمييز ضدّ المرأة لدى قطاع بارز في المجتمع الأميركي، تعاكس هاريس، فإن ظهور شخصيات جمهورية داعمة لها ضمن برنامج انتخابي حمل عنوان «جمهوريون من أجل هاريس»، للاستفادة من دعم ضمني وعلني من جانب حوالى 25 شخصية جمهورية للمرشحة الديمقراطية، ومن بينها وزير الدفاع السابق تشاك هاغل، وحاكم ولاية أتلانتا بريان كيمب، شكّل علامة فارقة في دراما «رئاسيات أميركا».
تحفّظات جمهورية على استراتيجية ترامب
على المقلب الجمهوري، بدا الارتباك واضحاً على الأداء العام، بعدما فوجئ ترامب بقرار انسحاب بايدن من السباق الرئاسي. ومن فور الإعلان عن نيّة الديمقراطيين ترشيح هاريس، وجد المرشح الجمهوري نفسه معنياً بتغيير استراتيجيته التي صبّها في اتجاه التصويب على الأداء الجسدي والذهني للرئيس الأميركي الحالي، خصوصاً مع ما باتت تحقّقه هاريس من نجاح في تقليص هامش الفارق معه في بعض استطلاعات الرأي، وتَقدّمها عليه في استطلاعات أخرى. وبحسب استطلاع للرأي نشرته «سي بي إس» الأميركية، فإن 50% من الناخبين أعربوا عن تأييدهم لهاريس، مقارنة بـ49% أيّدوا ترامب. وضمن السياق نفسه، أَظهرت شبكة «سي إن إن» أن مستويات الدعم للمرشح الجمهوري على المستوى الوطني العام، تُقدّر بـ49%، مقابل 47% لمنافسته.
وامتدت خلافات هاريس – ترامب إلى المناظرة التي كان مقرّراً أن تستضيفها شبكة «إيه بي سي» (بين ترامب وبايدن قبل انسحاب الأخير) في العاشر من أيلول المقبل، إذ أعلن الرئيس الأميركي السابق اقتراحات على مستوى تغيير الموعد والشروط، مؤكداً أنه اتفق مع شبكة «فوكس» لتنظيم مناظرة مع منافسته في الرابع من أيلول، وهو أمر رفضته هاريس، التي ردّت عليه بالتأكيد أنه يتوجب على ترامب الالتزام بالموعد المحدّد سابقاً، معتبرة أن المرشح الجمهوري «خائف»، قبل أن يردّ عليها بأنها «لا تمتلك القدرات الذهنية» لخوض مناظرة رئاسية ضدّه.
هكذا، وبعد تراجع اهتمام الرأي العام الأميركي بمحاولة اغتياله، وتشديد حملة الحزب الديمقراطي على تصويره بمظهر «المرشح الرئاسي الخارج عن مألوف القاموس السياسي الأميركي»، يسعى ترامب الذي بات، وفق مراقبين، في موضع دفاعي، إلى استعادة تقدّمه، عبر اللجوء إلى القصف الكلامي ضد هاريس، والذي يحمل أحياناً طابعاً عنصرياً، تارة عبر الإشارة إلى أصولها العرقية، وإلى «ميولها اليسارية»، وتارة عبر تحميل إدارتها مسؤولية انهيار البورصات الأميركية والعالمية، وتحذيره من «انهيار اقتصادي» للولايات المتحدة، في حال تم انتخابها رئيسة للبلاد. وكان اختيار ترامب لجي دي فانس كنائب له، أعاد الحزب الجمهوري إلى مربع الانقسام، مع ميل عدد من قياداته، ومن أبرزهم السيناتور ليندسي غراهام، إلى الإعراب عن قلقهم من التصريحات الأخيرة لفانس التي وصف فيها بعض النساء الديمقراطيات بـ»العوانس ومربيات القطط»، فضلاً عن تحفظات المعترضين على تركيز حملة ترامب على مسائل غير سياسية.
خضر خروبي