أخبار عربية ودولية

الغرب «يزكّي» التوغّل الأوكراني: روسيا نحو خطوات مضادة جديدة

لليوم الخامس على التوالي، يستمر التوغل الأوكراني في مقاطعة كورسك الحدودية الروسية، الواقعة على بعد 500 كيلومتر جنوبي موسكو، وسط صعوبات تواجهها القوات الروسية في استعادة مساحة قُدّرت بنحو 350 كيلومتراً مربعاً. وحتى اللحظة، لا تزال أهداف كييف من ذلك غير واضحة: فهل تريد السيطرة على أراضٍ في الداخل الروسي، وتوظيفها كورقة ضغط على طاولة «تسوية» مستقبلية يستشعر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، اقتراب فرصها ربطاً باحتمال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب؟ أم أن التحرك ذو طابع سياسي ونفسي، يتعلّق بحاجة كييف إلى رفع معنويات قواتها، وإشغال القوات الروسية المتقدّمة داخل أوكرانيا، وهو الاحتمال المرجَّح لدى المحلّلين؟
الموقف الغربي: التبنّي المتأخر
مع الإعلان عن تقدّم الوحدات الأوكرانية، للمرة الأولى منذ بدء الحرب، داخل الأراضي الروسية، بدا موقف واشنطن ضبابياً. فمن جهته، أكد الناطق باسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، الأربعاء، أن استخدام الأسلحة والذخائر التي قدمتها الولايات المتحدة خلال الهجوم على كورسك «لم ينتهك» السياسة الأميركية المتبعة حيال الأزمة الأوكرانية، مشيراً إلى أنه «لم يحدث أيّ تغيير» في تلك السياسة. واعتبر أن منطلقات «حق أوكرانيا في الدفاع عن النفس» بمهاجمة المناطق الحدودية الروسية، تتعلق بـ»انطلاق هجمات (روسية) من تلك المناطق». وفي الاتجاه نفسه، رأى الناطق باسم الاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، في حديث إلى وكالة الأنباء الأوكرانية، أن لكييف «الحق القانوني في الدفاع عن نفسها، بما في ذلك توجيه ضربات إلى المعتدي على أراضيها». ومع ذلك، أفاد منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، بأن إدارته ستطلب من كييف «توضيحاً» في شأن الهجوم على كورسك.

تميل واشنطن إلى «الكسر التدريجي» لما دأبت موسكو على التحذير منه كـ»خطوط حمر»


ويشي هذا التذبذب باستمرار الازدواجية الأميركية المتّبعة حيال الأزمة الأوكرانية، والتي تقوم على أن تبادر كييف إلى فرض متغيرات ميدانية، ومن ثم يجري التبنّي الرسمي لتلك المتغيرات. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، شروع أوكرانيا، على مدى الأشهر الماضية، في تدشين سلسلة من الهجمات في الداخل الروسي بالأسلحة الغربية، وهو أمر لم تتبنّه واشنطن رسمياً إلا قبل أسابيع قليلة. ويربط محلّلون النهج المذكور، بالتوجّس من رد الفعل الروسي المحتمل على أي تزكية مباشرة للتصعيد. على أن التأييد الغربي لهجوم كورسك، أوحى به مستشار الرئيس الأوكراني، ميخايلو بودولياك، حين كتب، عبر أحد حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، أن «معظمهم (قادة الدول الحليفة لأوكرانيا) يؤيدون في الكواليس ما قمنا به»، وأن «جزءاً كبيراً من العالم يعتبر أن روسيا قد باتت الآن هدفاً مشروعاً لأيّ نوع من العمليات العسكرية وعبر أيّ نوع من الأسلحة».
ومع ميل واشنطن إلى «الكسر التدريجي» لـ»خطوط موسكو الحمر»، والتي راعتها الأولى حتى الأمس القريب، كعدم تزويد كييف بصواريخ أرض – أرض بعيدة المدى، أو طائرات مقاتلة، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن «حلفاء أوكرانيا كانوا حذرين في السابق من (تأييد) قيام الجيش الأوكراني بتوغّل بري داخل روسيا، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تصعيد الحرب»، ملمّحةً إلى وجود تبدّل في هذه المقاربة الغربية. وعن هجوم كورسك، لفتت الصحيفة إلى أنه «لم تكن هناك أيّ مؤشرات من العواصم الغربية توحي بمعارضتها للهجوم». ومع هذا، أكد مسؤولون أميركيون، للصحيفة، أنهم «لم يتلقّوا أيّ إشعار مسبق في شأن العملية»، وأنهم لا يزالون يسعون إلى «الحصول على توضيحات (من كييف)»، مضيفين أن ما أقدمت عليه القوات الأوكرانية أشبه بـ»مقامرة».

العلاقات الإيرانية – الروسية في المهداف الغربي
إزاء استمرار الغرب في استفزاز روسيا، يرى البعض أن الأخيرة قد تردّ على خرق دائرة أمنها القومي، عبر إحداث تحولات نوعية في توازنات القوى مع الغرب، في ساحة إقليمية أخرى خارج أوروبا، ولا سيما الشرق الأوسط. من هذه الزاوية، ومع تنامي العلاقات العسكرية بين موسكو وطهران، منذ بدء الحرب الأوكرانية، باتت الزيارة التي أجراها رئيس مجلس الأمن الروسي، سيرغي شويغو، قبل أيام، إلى العاصمة الإيرانية، ولقاؤه مع عدد من كبار المسؤولين الإيرانيين هناك، مدار تكهنات على أكثر من صعيد، خصوصاً مع تواتر تقارير حول موافقة روسيا على البدء بتزويد الجمهورية الإسلامية بمنظومات رادار، وصواريخ دفاع جوي حديثة.
وفي هذا السياق، تلفت مجلة «فورين بوليسي» إلى أن موسكو ربما «تنظر إلى وجود شكل من أشكال الفائدة في اندلاع الاضطرابات في الشرق الأوسط، والتي تسهم بشكل أو بآخر في صرف الاهتمام العالمي عن الحرب في أوكرانيا». كما تشير المجلة إلى وجود أسباب وجيهة لدى الغرب للقلق من التقارب الروسي – الإيراني، لما تتمتّع به موسكو من قدرات تكنولوجية وعسكرية هائلة قد تستفيد منها طهران مستقبلاً. وحول هذه النقطة، تقول مديرة برنامج أوراسيا في «مركز جايمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي»، هانا نوت، إن «لدى الإيرانيين قائمة طويلة من الطلبات من روسيا» على مختلف الصعد، ومن ضمنها طائرات «سو-35» المتطورة التي سبق أن أبرمت موسكو اتفاقية لتوريد عدد منها إلى الجمهورية الإسلامية. وتذكّر نوت بأن «البلدين يتعاونان في مجال الحرب الإلكترونية، حيث تمتلك موسكو قدرات متقدّمة للغاية للتشويش على أنظمة الأسلحة الأميركية المتقدمة على نحو سبّب إزعاجاً للقوات المسلحة الأوكرانية» في ساحات المعارك.
هذا العداء المتعدد الأطراف لأميركا، والذي لا يقتصر على الجانب العسكري، توقف عنده أيضاً تقرير لـ»الاستخبارات الوطنية الأميركية» صدر في الـ31 من تموز الفائت، وتضمّن تقديرات حول إمكانية اضطرار الولايات المتحدة، خلال الفترة المقبلة، لمواجهة هجمات متكرّرة ضمن «المنطقة الرمادية» من جانب منافسيها الجيوسياسيين، والذين هم على استعداد لاستخدام وسائل «متنوعة ومدمرة» لتقويض مصالح البلاد، ومصالح شركائها على الساحة العالمية، عبر خلق سلسلة من «التهديدات الملموسة وغير الملموسة على مستوى النظام الدولي». وذكر التقرير أنه «بحلول عام 2030، ستتميّز المنافسة بين القوى العظمى، وفي طليعتها روسيا، والصين، وإيران، وكوريا الشمالية، بشكل عام بلجوء اللاعبين إلى مجموعة متزايدة من الأساليب العدائية ضمن ما يُسمى المنطقة الرمادية»، وهو مستوى من النشاطات التي لا ترقى إلى الصراع العسكري المباشر، مبيّناً أن تلك الأساليب تشمل «الهجمات الإلكترونية، وأدوات الإكراه الاقتصادي والحملات الإعلامية لزرع الانقسام (الداخلي)، وتقويض المؤسسات الديمقراطية، أو السعي إلى توجيه القرارات السياسية في داخل الدول للعمل تماشياً مع أهداف الفاعل الأجنبي».

خضر خروبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *