خريطة استيطانية لغزة: العدو يسعّر الحرب النفسية
غزة | يعكس السلوك الميداني الإسرائيلي في قطاع غزة رغبة في إطالة أمد الحرب إلى أقصى مدى يمكن الوصول إليه. صحيح أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أضحت تصرّح أخيراً عن رغبتها في الوصول إلى وقف إطلاق نار في أقرب فرصة ممكنة، لكن ذلك لا ينفي عملها الدؤوب على تغيير الواقع الطوبوغرافي للقطاع. وفي هذا السياق، أظهرت مقاطع فيديو سجّلها أحد موظفي المؤسسات الدولية، وهو في طريقه من جنوب غزة إلى شمالها، أن جيش الاحتلال سوّى المساحات الممتدة من محور «نتساريم»، وصولاً إلى أطراف أحياء تل الهوى والزيتون والشيخ عجلين بالأرض، بعدما نسف المئات من المباني والعمارات السكنية، ودمّر البنية التحتية في تلك المناطق بشكل كلي. ويترافق هذا المجهود المستمر، مع ما كشفته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، في نهاية الأسبوع الماضي، عن أن هدف رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، هو إعادة الاستيطان إلى القطاع، حيث سيشكّل الوسط أولى مناطق الزحف الاستيطاني. تلك الأخبار، أغرق بها الإعلام الإسرائيلي وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، حيث نُشرت أيضاً صورة لخريطة قطاع غزة، تتضمّن تقسيمه إلى خمسة معازل، ما يشير إلى نية الاحتلال إعادة إنشاء حاجز «أبو هولي» الذي يفصل مدينة دير البلح عن مدينتَي خانيونس ورفح في جنوب القطاع. وتتضمّن بعض الخرائط المنشورة، أيضاً، تفريغ مناطق شمال غزة تماماً من السكان، وتحويلها إلى متنزّهات ومنتجعات سياحية تتّصل بمنطقة شاطئ عسقلان وأسدود.
على أنه لا يمكن قراءة كل ذلك الفيض من الضخ الإعلامي، إلا في سياق الإرهاق النفسي، واستجرار ردة فعل شعبية حادة على المقاومة، التي تَظهر في هذه المرحلة، كمن أراد تحرير القدس، فأعاد الاحتلال إلى غزة. ولعل ما ينفي عملانية الطرح الإسرائيلي وواقعتيه، هو جملة استطلاعات للرأي أجرتها الجامعة العبرية، في ذروة انفعال الشارع الإسرائيلي عقب عملية «طوفان الأقصى». ففي كانون الأول الماضي، أكدت نتائج استطلاعات الرأي أن 56% من الإسرائيليين يرفضون فكرة إعادة استيطان القطاع، فيما يؤيد 33% تلك الخطوة.
كما يشير الواقع إلى أن الهواجس لدى المستوطنين، وخصوصاً سكان الشمال والجنوب، تتجاوز فكرة القبول بالاستيطان في غزة؛ فهم يرفضون العودة إلى غلاف غزة وشمال فلسطين، إذا كان جيرانهم فلسطينيين من «حماس» أو لبنانيين من «حزب الله».
والواقع أن العقل الجمعي الإسرائيلي يفكر بهواجسه في هذه المرحلة لا في مصالحه، وهذا ما يفيد به استقراء السلوك المضطرب للإسرائيليين. فهم يخشون تكرار كابوس السابع من أكتوبر. وعلى طريق التمرّد على ذلك الهاجس، ستكثر المشاريع ومقترحات البحث عن هوامش أمان، من إعادة الاحتلال، إلى ترحيل الفلسطينيين جميعهم، إلى صناعة بيئة طاردة. غير أن الصورة التي تسكن عقل كل مستوطن، ولا يمكن تجاوزها، هي لشاب لم يتجاوز العشرين، يمسك بمستوطن ويصرخ فيه في غلاف غزة يوم السابع من أكتوبر «وين ريعيم؟». وعليه، فإن الجيش الذي يسعى إلى استعادة ثقة المستوطنين فيه لإعادتهم إلى «الغلاف» فقط، لن يستطيع إقناع أحد بالعودة إلى وسط القطاع.
يوسف فارس