هل لدى نتنياهو خطة أم رغبات؟
ناصر قنديل
يتحدّث البعض عن وجود خطة لدى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، فيقول البعض إن خطة نتنياهو هي تهجير غزة والضفة الغربية وإطلاق مشروع استيطانيّ فيهما بالتوازي مع مشاريع استراتيجية مثل قناة بن غوريون ومنصة الغاز ومشاريع استثمار سياحة عقاريّة عملاقة بالنسبة لغزة، وضمّ الضفة الغربية وفي قلبها القدس الى الكيان وإعلان الرفض الكامل لأي تسوية تتضمن الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 67 وإقامة دولة فلسطينيّة، لكن التدقيق في هذه الأهداف والقدرة على تنفيذها ترينا بسهولة أن تهجير غزة والضفة الغربية هو جوهرها، فهل استجاب الفلسطينيون في غزة لضغط التهجير رغم القتل والتدمير؟ وماذا يملك نتنياهو غيرهما لتحقيق هذا الهدف؟
الرغبة بتهجير الفلسطينيين شيء وتهجيرهم شيء آخر، فهل لديه خطة وأدوات تنفيذ واقعية قادرة على تحقيق الهدف كي نتحدث عن خطة؟ والجواب العملي والواقعي هو لا. وإذا لم تكن هذه هي الخطة وهذه مجرد رغبات تنقصها الآلة التنفيذية القادرة على تحقيقها كي تصبح خطة، فهل يمكن أن تكون الخطة هي شن حرب على لبنان، بما يتيح فتح الطريق لفرضية الفوز بمعركة غزة والضفة الغربية؟ فيصبح السؤال وماذا ينتظر من شروط ليقوم بشنّ هذه الحرب، وهو لم يستطع القيام بذلك عندما كان كل الغرب مستنفراً الى جانبه سياسياً وإعلامياً وعسكرياً وكان الرأي العام في داخل الكيان في ذروة الغضب ومشاعر الانتقام غداة طوفان الأقصى ويصوّت بـ 94% لصالح الحرب، وكان جيش من نصف مليون جندي في قمة الجهوزية وقمة المعنويّات؟ وهل يمكن شن هذه الحرب وقد تبدّد من حوله كل ذلك، وحلّ الانقسام الداخلي العميق والانفكاك في الشارع العالمي والتردد بين حكومات العالم، وصار جيشه عاجزاً عن الفوز بغزة؟ وهل الجيش المتهالك في غزة سوف ينجح بشن الحرب على لبنان، وقد خسرها يوم كان عام 2006 بكامل قوته المادية والمعنوية ولم يكن لدى المقاومة الا بعض يسير مما لديها الآن؟
البعض يصحّح القول فيضيف، هذه ليست خطة لأنها بلا أداة تنفيذ واقعية، وهذا معنى كلام كل قادة الكيان بمن فيهم نتنياهو، بعد ردّ حزب الله على اغتيال القائد فؤاد شكر، نحن لا نريد حرباً، ويقترح بديلا يسميه خطة نتنياهو، فيقول إنها إطالة أمد الحرب حتى يصل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مجدداً إلى البيت الأبيض. وهنا يصبح السؤال هو مَن يضمن فوز ترامب أصلاً، ثم ماذا يملك ترامب أن يقدم غير اللغة الإيجابية ليضيف إلى ما يقدمه الرئيس جو بايدن، حيث كل ما تملكه أميركا في خدمة الكيان مالاً وسلاحاً وذخائر وحماية في مجلس الأمن الدولي من الإدانة والمساءلة ومن أي قرار لا يلبي مصالح الكيان، وتهديد العقوبات على قضاة المحاكم الدولية إن هم أقدموا على اتخاذ قرارات تزعج الكيان وتستهدف قادته أو سياساته، والشيء الوحيد الذي لا يفعله بايدن ليس لأنه لا يريد بل لأنه لا يقدر، هو تجريد حملة عسكرية كبرى على المنطقة لاحتلال دول المقاومة؟ وهل يستطيع ترامب أن يفعل ما لم يفعله بايدن؟ والجواب هو ان باراك أوباما حاول فعل ذلك في سورية وحدها وتراجع، وجاء ترامب وحاول وتراجع، وجاء بايدن وحاول وتراجع، والسبب بسيط هو أن أميركا التي انسحبت من أفغانستان لعجزها عن تحمّل بذل الدماء تعلم ما ينتظرها في حروب المنطقة من جهة، وتعلم أن تفوقها الناري التدميري سوف يقابله وضع القواعد الأميركية في المنطقة وكيان الاحتلال تحت نيران موازية.
عملياً يواجه نتنياهو عجزاً عن تقديم جواب عملي للمستوطنين المهجّرين من الشمال الذين وعدهم بإعادتهم قبل بدء العام الدراسي في أول أيلول، وهو يتهرّب منهم الآن بحجة معارك الضفة الغربية ومسار التفاوض وعقدة محور فيلادلفيا، لكن إلى متى، ويواجه استعصاء العجز عن الإفراج عن الأسرى في غزة بالقوة، والعجز عن إنهاء المقاومة هناك، وهي تتعاظم يومياً بينما جيش الاحتلال يزداد ضعفاً ويفقد مع القتلى والجرحى روحه القتالية والكثير من معداته، كما يواجه ومعه أميركا استعصاء البحر الأحمر والحصار البحري الذي يفرضه اليمن الممسك بالملاحة في البحر الأحمر، وليس لدى نتنياهو خطة لحل أي من هذه الأزمات المستعصية، ولذلك بدأ يفلت زمام المبادرة من بين يديه وهو يستطيع أن يستثمر موقعه الحكومي إلى آخر نقطة من صلاحياته لإبقاء الحرب، بينما الشارع المعارض للحرب واليائس من جدواها يتعاظم، وسوف لن يكون بعيداً اليوم الذي ينجح فيه هذا الشارع باختراق الأغلبية الحكومية وفرط حبات مسبحتها، ويفقد نتنياهو الغالبية التي يحكم باسمها، لسبب بسيط هو أنه أخذ الكيان الى حرب بلا خطة، والخطة هي مجموعة خطوات مدروسة ومحسوبة جيداً، سقوفها واقعية قابلة للتحقيق، وتملك أدوات بلوغها والبدائل لكل فرضيّة من فرضيّاتها. ويكفي النظر إلى الحرب التي قادها نتنياهو بدون خطة، لمعرفة سبب الفشل في تحقيق أيٍّ من أهدافها، والعجز عن إنهائها.
نتنياهو فشل فشلاً ذريعاً وهو يعيش حالة إنكار ومكابرة، والإنكار والمكابرة لا يشكلان خطة.