«حزب الحرب» الإسرائيلي يتحسّس مأزقه: لا سبيل إلى هزْم المقاومة
بعد وقوفه سدّاً منيعاً في وجه الاحتجاجات التي أعقبت مقتل الأسرى الإسرائيليين الستة في قطاع غزة هذا الأسبوع، صار واضحاً أن بنيامين نتنياهو ينتظر شيئاً واحداً، هو عودة دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية، علّها تحدث تغيّراً في دينامية التعامل الأميركي مع إسرائيل، والذي صار ضاغطاً في الآونة الأخيرة، وإن بحدود قدرة الإدارة الديموقراطية على الضغط للتوصل إلى اتفاق على وقف النار وتبادل الأسرى. والواقع أن ذلك التغيّر مردّه، في جانب منه، الانقسام الذي بات جلياً داخل جبهة داعمي إسرائيل ما بعد السابع من أكتوبر، والتي تضم أميركا وأوروبيين وعرباً. فمؤتمر الحزب الديموقراطي الذي انعقد في شيكاغو الشهر الماضي لاعتماد ترشيح كامالا هاريس، أظهر انقساماً عميقاً حول حرب غزة، بين قيادة الحزب التي ما زالت تعتبر أنها لا تستطيع إجبار إسرائيل على وقف الحرب، وبين قواعده أو ما يسمى بالجناح التقدمي فيه – والذي يزداد قوة – وشبابه ونقاباته المحلية التي تختلف مع النقابات الوطنية الأم (الأكثر قرباً من القيادة). فكل هؤلاء يريدون وقف شحنات السلاح إلى إسرائيل، واستخدام أموالها في برامج أخرى، كدعم الطلاب الأميركيين مثلاً.ومع أن كلّ التوتر الذي أثارته الحرب داخل المؤسسات الأميركية، كالجسم الأكاديمي، والإعلام والحكومة، لم يكن كافياً لدفع الإدارة الديموقراطية إلى إجبار إسرائيل على وقف المذبحة الدائرة في غزة، إلا أنه على الأقل يضغط على تلك الإدارة بشكل يجعل لها مصلحة أكيدة في إنهاء الحرب. وإلى جانبها في ذلك، يقف قسم متزايد من الإسرائيليين، أفزعته طريقة تعامل نتنياهو مع مقتل الأسرى الستة، والتي أظهرت وجهاً آخر للوحشية التي طالت إسرائيليين هذه المرة، وكان وجهها الأول هو البطش بحق الفلسطينيين، والذي كان ولا يزال يلقى قبولاً واسعاً لدى عموم الجمهور الإسرائيلي، من يساره إلى يمينه. وإلى جانب هؤلاء، يقف القادة العرب المراهنون على أميركا وإسرائيل، والذين يشعرون – على الأقل – بعدم راحة على كراسي الحكم التي يجلسون عليها.
إسرائيل رغم تفوّقها العسكري، فإنها، بسبب تكوينها، هي الطرف الأقل تحمّلاً للاستنزاف
مع ذلك، اختار نتنياهو الوقوف في وجه كل هؤلاء، متسلّحاً أولاً بأن جزءاً كبيراً من القوى السياسية الإسرائيلية وجمهورها يقف إلى جانبه، بل تتماهى المصالح بينهم وبينه، والجزء الآخر المعارض ليس لديه مشروع بديل. وبالتالي، فإن نتنياهو باقٍ وفقاً لتلك الصيغة حتى موعد الانتخابات المقبلة بعد سنتين، ما لم يستجدّ شيء كبير يكسر هذه المراوحة. لكن ما تقدّم كله لا يعني أن نتنياهو لا يواجه أزمة، بل يعني فقط أنه استطاع حتى الآن أن يحوّل مأزقه إلى مأزق لإسرائيل كلها. فهو لم يتمكّن، بعد 11 شهراً من القتال، من تقديم صورة نصر، ولن يستطيع فعل ذلك، بل كل ما يستطيع تقديمه للإسرائيليين هو المزيد من مشاهد القتل والدمار في غزة، والتي تؤدي إلى مزيد من الغضب في العالم، ما قد يفضي إلى لحظة يصرخ فيها أحد من المؤثرين في هذا العالم، في أميركا تحديداً: كفى.
نتنياهو هو مشروع حرب دائمة، حتى لو احتاج الأمر إلى إبادة كل مَن في غزة أو تهجيرهم، ثم إبادة كل مَن في الضفة الغربية أو تهجيرهم، وذلك يعني خراب كلٍّ من الأردن ومصر، وتفجير الشرق الأوسط كله، عبر زيادة الجبهات المشتعلة اشتعالاً. ومع هذا، فإن أكثر ما يمكن أن يحصل عليه هو تعديل جغرافيا الحرب وليس الانتصار فيها، علماً أن النتيجة الأخيرة لا يمكن أن تتحقّق أيضاً إلا إذا سكت العالم، ولا سيما الغرب، عن مشروع اليمين الإسرائيلي بأكثر صوره تطرّفاً. وعلى أي حال، يبدو واضحاً أن ما يحدث في غزة والجبهات المرتبطة تحوّل إلى عملية عض أصابع، تنتظر من يصرخ أولاً. وفي هذه، يمكن القول إن إسرائيل، رغم تفوّقها العسكري، فإنها، بسبب تكوينها، هي الطرف الأقل تحمّلاً للاستنزاف، وبالتالي هي محكومة بالخسارة. وعليه، فإن نتيجة الحرب الحالية ستكون شيئاً جديداً في الصراع العربي – الإسرائيلي لم نشهد مثيلاً له من قبل؛ فالذين يديرون المعركة من الجانب المعادي لإسرائيل ليسوا أنظمة مستعدة للمساومة، وإنما مقاومات ارتبط وجودها وقوّتها بتلك الصفة، وأي تنازل يُفقدها إياها، ويحيلها أنظمة فاشلة مثل التي هُزمت في الحروب السابقة.
حسين ابراهيم