أخبار عربية ودولية

تحذير صيني لواشنطن من «تحفيز» مانيلا: غزة «تقلب» التحالفات في جنوب آسيا

نهاية تموز الماضي، تصاعدت الآمال في أن تخفّ حدة التوترات في بحر الصين الجنوبي بين الصين والفيليبين، بعدما نجح الطرفان في الاتفاق على «ترتيبات» لإعادة إمداد قوات مانيلا المتمركزة في جزر «رنآي جياو» المرجانية، بالطعام والمؤن. بيد أن تلك الآمال لم تدم طويلاً؛ فخلال الأسابيع الأخيرة، وقعت سلسلة من الاشتباكات بين الأفراد الصينيين والفيليبينيين، حول جزر «Xianbin Jiao»، التي تُعدّ، جنباً إلى جنب مع «رنآي جياو»، جزءاً من «الجزر الجنوبية» (نانشا) من بحر الصين. وأثارت تلك الاشتباكات، والتي استُخدمت فيها أحياناً العصيّ والفؤوس والسكاكين، تخوّف مراقبين من أنّ أي «سوء تقدير» قد يؤدي إلى نزاع مسلح، يدفع بواشنطن، حليفة مانيلا المقرّبة، إلى مواجهة مع بكين في المنطقة. وتعتقد الصين أن الفيليبين تحاول «فرض» منشآت على الجزر، بهدف السيطرة عليها بحكم «الأمر الواقع» وفي حديث إلى الأخبار، تؤكد السفيرة الصينية السابقة لدى مانيلا، ما كه تشينغ، أنّ الفيليبين تحاول، حالياً، تكرار «خدعة» عام 1999، «وإرساء سفينة عسكرية قديمة على ساحل جزر Xianbin Jiao»، بهدف تحويلها إلى «مركز استيطاني». وتتابع السفيرة أنّ «الفيليبين اعتادت أن تخلف بوعودها، وتنكث بالاتفاقات»، مدفوعة «بالطبع، بتلاعب الولايات المتحدة بها، في محاولة لزعزعة الاستقرار في بحر الصين الجنوبي، والتسبب بمشكلات لبكين». وبالعودة إلى الاتفاق الذي عُقد في تموز، فقد تضمّن الأخير السماح للفيليبين، من «منظور إنساني»، بإرسال الحاجات المعيشية إلى طاقم السفينة الراسية على ساحل «رنآي جياو»، والتي كانت قد حطّت رحالها هناك منذ عام 1999، بذريعة حصول تسرّب للماء فيها، ولم تغادر المكان مذّاك. وفي المقابل، اشترطت بكين على مانيلا أن تراقب عملية التوريد بأكملها، منبهةً إلى أنّه في حال أرسلت الفيليبين كمية كبيرة من مواد البناء وحاولت إقامة أي مرافق ثابتة، أو بؤرة استيطانية دائمة، فإنّ الصين لن تقبل ذلك، وستعمل على «إيقاف» العملية. كما جدّدت بكين، في الاتفاق، مطالبتها بسحب السفينة من «رنآي جياو».

لماذا «Xianbin Jiao»؟
تكتسب جزر «Xianbin Jiao»، أو «سابينا شول» طبقاً للتسمية الصينية، أهمية بالنسبة إلى الفيليبين لأنها تقع بالقرب من منطقة غنية بالنفط والغاز، وتُعد نقطة انطلاق رئيسية لإمداد سفينتها في جزر «رنآي جياو». وفي السياق، تنقل صحيفة «ذي غارديان» البريطانية عن كولين كوه، الزميل في «معهد الدراسات الدفاعية والاستراتيجية في كلية «S Rajaratnam للدراسات الدولية» في سنغافورة، قوله إنه إذا سيطرت الصين على تلك الجزر، فستصبح قادرة على «قطع الإمداد عن السفينة»، وربما أيضاً «منع السفن من الوصول إلى جزيرة ثيتو»، وهي جزيرة فيليبينية في بحر الصين الجنوبي، يسكنها حوالي 400 مدني.
على أنه مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي العام المقبل في الفيليبين، لا يريد الرئيس، فرديناند ماركوس جونيور، المخاطرة بخسارة الجزر، ولا سيما أنه تعهّد، في غير محطة، بعدم التنازل عن أي «بوصة مربعة واحدة من الأراضي». وعلى جري العادة، سارعت واشنطن إلى الدفاع عن حليفتها مانيلا، إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، في بيان السبت الماضي، إن «الولايات المتحدة تقف إلى جانب حليفتها الفيليبين، وتدين الإجراءات الخطيرة والتصعيدية التي تقوم بها جمهورية الصين الشعبية ضد العمليات البحرية الفيليبينية المشروعة بالقرب من سابينا شول». كما أصدر «الاتحاد الأوروبي» بياناً، دان فيه ممارسات الصين التي وصفها بـ«الخطيرة». ورداً على ذلك، أوردت صحيفة «غوبال تايمز» الصينية تقريراً، الأسبوع الماضي، جاء فيه أنّه «من خلال تجاهلهم للحقائق، قرّرت الولايات المتحدة وحلفاؤها التدخل في ما لا يعنيهم، ودعموا الإجراءات الاستفزازية للفيليبين ضد سيادة الصين في بحر الصين الجنوبي»، ما يتعارض، طبقاً للصحيفة، مع المساعي الإقليمية لتحقيق السلام والاستقرار.

تؤكد السفيرة الصينية السابقة لدى مانيلا أنّ الفيليبين تحاول تكرار «خدعة» عام 1999 في جزيرة «Xianbin Jiao»


غزة و«آسيان»
وعلى الرغم من «اندفاع» الولايات المتّحدة، مرة جديدة، إلى الدفاع عن حليفتها، يبدو أنّ «طموحات» واشنطن إزاء تحالفاتها في آسيا، تصطدم بتحديات عدة، بعدما وصلت تبعات العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركياً على غزة، إلى جنوب شرق آسيا، وأثّرت، سلباً، على رأي العديد من النخب في معظم دول تلك المنطقة، في وقت تروّج فيه واشنطن لكون علاقاتها مع «شركائها الآسيويين»، والهادفة، بالدرجة الأولى، إلى احتواء الصين، تشهد نمواً مطّرداً. وفي السياق، اعتبرت مجلة «فوين أفيرز» الأميركية، أنّ «الولايات المتحدة تخسر قوتها في أجزاء مهمة من آسيا»، مستشهدةً باستطلاع يجريه، سنوياً، معهد ISEAS – Yuso Ishak» »، ومقره سنغافورة، ويشمل ما بين ألف وألفي شخص من الأوساط الأكاديمية ومراكز الفكر والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات غير الربحية ووسائل الإعلام والحكومة والمنظمات الإقليمية والدولية، من الدول العشر في رابطة «دول جنوب شرق آسيا» (ASEAN)، ويسمح، بالتالي، بالوقوف على «رأي النخبة» في الشؤون الإقليمية والدولية. وهذا العام، اختار معظم المشاركين في الاستطلاع، الانحياز إلى الصين على حساب الولايات المتحدة، لدى سؤالهم عن الطرف الذي يجب أن تسير معه دول الرابطة، في حال أُجبرت على الاختيار بين بكين وواشنطن.

جولة على الأرقام
وطبقاً للتقرير، فمن المرجّح أن دعم الولايات المتحدة القوي لإسرائيل «قد قلب الموازين لصالح الصين» داخل تلك الدول، ولا سيما في البلدان ذات الغالبية المسلمة. وبالأرقام، قال 75% من الماليزيين الذين شملهم الاستطلاع، و73% من الإندونيسيين، و70% في بروناي، إنهم يفضّلون التوافق مع الصين على الولايات المتحدة، مقارنة بـ55% و54% و55% في عام 2023 بالترتيب. وفي حين لم يتضمّن الاستطلاع سؤالاً للمشاركين عن السبب خلف خيارهم، إلا أنّه لدى طرح سؤال عليهم حول مخاوفهم «الجيوسياسية»، صنّف «نصفهم» تقريباً الحرب الدائرة في غزة، بأنّها على «قائمة» الأسباب، ما جعل الأخيرة تتجاوز «النزاع الأقرب جغرافياً» للدول المشار إليها، أي التوترات في بحر الصين الجنوبي. كما تراجع نفوذ واشنطن أمام بكين في لاوس (انخفاض بمقدار 30 نقطة مئوية)، وكمبوديا (انخفاض بمقدار 18 نقطة مئوية)، وفي ميانمار وتايلاند (انخفاض بمقدار 10 و9 نقاط مئوية بالترتيب)، فيما لا تزال الولايات المتحدة تحظى بدعم كبير جداً في الفيليبين، إذ اختارها 83% من المشاركين على الصين، وفيتنام (79%) وسنغافورة (62%) وميانمار (58%) وكمبوديا (55%).

ريم هاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *