فصل جديد من العدوان: الاحتلال يواصل تلغيم الضفة
رام الله | ستأنف جيش الاحتلال الإسرائيلي، أول من أمس، عمليته العسكرية، المسمّاة «مخيمات الصيف»، في شمال الضفة الغربية، باقتحام أعداد كبيرة من قواته مدينة طولكرم ومخيّميها، ومحاصرتها إياهما، موسّعاً إيّاها فجر أمس إلى طوباس، حيث نفّذ اغتيالاً أسفر عن استشهاد خمسة شبان، تزامناً مع اقتحام المدينة ومخيم الفارعة. وقالت مصادر طبية إن الشهداء الخمسة قضوا بينما كانوا يتواجدون أمام مسجد في المدينة، حيث استشهد أيضاً شاب وفتاة وأصيب 10 آخرون برصاص الاحتلال. وأفاد «الهلال الأحمر» بأن طواقمه تمكّنت من انتشال جثامين الشهداء من موقع القصف، ونقلهم إلى المستشفى، غير أن القوات الإسرائيلية عرقلت طريق سيارات الإسعاف، مانعةً إيّاها من الوصول إلى الموقع المستهدف، وقامت، توازياً، بمحاصرة مستشفى «طوباس التركي الحكومي» عند الأطراف الشمالية للمدينة، حيث أَغلقت الطرق المؤدية إليه. كما عزّزت حضورها العسكري في محيط المدينة، في وقت اقتحمت فيه بلدة طمون القريبة منها، والتي شهدت اشتباكات ومواجهات خلّفت إصابات خطيرة في صفوف الشبان.وكان الاحتلال قد جدّد عمليته العسكرية، ظهر الثلاثاء، بتسلّل قوّة خاصة إسرائيلية إلى وسط مدينة طولكرم، حيث تمّ اكتشافها والاشتباك معها، ليدفع جيش العدو بقوات كبيرة معزّزة بآليات عسكرية، ومنها جرافات ضخمة، باشرت بأعمال تجريف واسعة للشوارع والطرق التي جرى إصلاح بعضها نسبياً خلال الأيام الماضية، كما نشر فرق قناصته على أسطح المباني، فارضاً حصاراً مطبقاً على مخيمَي طولكرم ونور شمس ومستشفيات المدينة. وفي الـ28 من آب الماضي، أطلق جيش العدو عملية عسكرية واسعة استهدفت مدن جنين وطولكرم وطوباس وبلدات شمال الضفة، وصفتها إسرائيل بأنها الأوسع منذ عملية «السور الواقي»، عام 2002. واستمرّ العدوان، في مرحلته الأولى، 10 أيام متواصلة، وتركّز في مدينة جنين ومخيّمها، مخلّفاً أكثر من 35 شهيداً، ودماراً غير مسبوق في الشوارع والبنى التحتية، وأعلن الجيش، من بعده، انسحابه من مدينة جنين، من دون أن يعني ذلك، وفقاً لما أعلنه، انتهاء العملية العسكرية، في ظلّ توقّعات بتجدّد اقتحام المدينة.
اتهم الجيش الإسرائيلي، المستوى السياسي، بتصعيد الوضع الأمني في الضفة
وكما في مراحل العملية العسكرية الأولى، يواصل العدو أعمال الاقتحام والمداهمات والتنكيل بالأهالي والتجريف الواسع في طولكرم، حيث سُجّل إجبار عشرات المواطنين في المخيّم على إخلاء منازلهم، ما قد ينذر باستمرار العدوان، في حين شهدت مناطق متفرّقة في الضفة اقتحامات واسعة تخلّلتها اعتقالات ومواجهات واشتباكات. وتركّزت العملية في مخيم طولكرم، حيث لا تزال قوات الاحتلال تدفع بمزيد من آلياتها وجرافاتها الثقيلة، وسط تجريف وتخريب كل شارع وزقاق داخل المخيم، وانتشار الدوريات الراجلة بين أزقته، فضلاً عن مداهمة منازل المواطنين وتفتيشها، وتحويل عدد منها إلى ثكنات عسكرية، بعد إجبار ساكنيها على إخلائها قسراً. ومن جهتها، خاضت المقاومة في طولكرم وطوباس اشتباكات مسلحة مع قوات الاحتلال، إذ توالت، اعتباراً من الثلاثاء، بلاغات الفصائل عن خوض مقاتليها اشتباكات مع قوات الاحتلال وتفجيرهم عبوات ناسفة، فيما أكدت الأحزاب الفلسطينية أن استمرار العدوان في مدينة طولكرم «لن يزعزع ثقة وتمسّك الشعب بالمقاومة، ولن يحقّق هدفه».
وتَرافق تجدّد العملية العسكرية، مع ارتفاع حدّة تحذيرات المؤسسة الأمنية من مغبّة انفجار الأوضاع في الضفة بشكل كامل، في ظلّ تواصل خيط العمليات الفدائية، وآخرها، صباح أمس، حيث نُفذت عملية دهس بشاحنة قرب رام الله، قُتل فيها جندي من جيش الاحتلال وأصيب آخر بجروح خطيرة، فيما أصيب السائق بجروح. وعلى الأثر، استنفر العدو قواته، وأغلق الطرق والحواجز في محيط مكان العملية، فارضاً إجراءات مشدّدة، فيما قام بإغلاق حاجز «بيت إيل» في الاتجاهَين أمام حركة السير والمرور. وذكرت صحيفة «يسرائيل هيوم» أنه تم الاشتباه في أن تكون الشاحنة المستخدمة، والمخصّصة لنقل الغاز، مفخّخة، ما استدعى الإتيان بخبراء متفجرات إلى المكان.
وفي ضوء التصعيد الحاصل في الضفة، اتهم الجيش الإسرائيلي، المستوى السياسي، وبشكل خاص وزيرَي المالية بتسلئيل سموتريتش، والأمن القومي إيتمار بن غفير، وبدعمٍ من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بتصعيد الوضع الأمني في الضفة كلها، الأمر الذي من شأنه أن يدفع نحو اندلاع انتفاضة بحلول الأعياد اليهودية الشهر المقبل، والاتّساع المتوقع في اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى وأداء الصلاة فيه خلالها. وكشفت «القناة الـ12» الإسرائيلية أن قادة الأجهزة الأمنية حذّروا نتنياهو، خلال الاجتماع الوزاري الأخير، من هجمات يُقتل فيها مئات الإسرائيليين. وعرض هؤلاء أمام رئيس الحكومة ووزراء «الكابينيت» معطيات عن كميات كبيرة جداً وغير مسبوقة من الأسلحة في الضفة، وحذّروه من إمكانية عودة العمليات التفجيرية، وأوصوا بضرورة تهدئة الأجواء، مقترحين إجراءات عدّة من بينها السماح بعودة العمال الفلسطينيين للعمل داخل الخط الأخضر، وتحويل أموال المقاصة إلى السلطة الفلسطينية، وتهدئة التوتّر في المسجد الأقصى، لكن «الكابينيت» الأمني والسياسي لم يوافق على أيّ من تلك المقترحات.
ويبدو أن المؤسسة الأمنية وقادتها وجدوا ضالتهم في اللعبة التي يمارسونها؛ إذ بينما يُظهرون أنهم يؤيدون تهدئة الأوضاع في الضفة ويقدمون حزمة تحفيزية لذلك، فإنهم يصعّدون على الأرض، ويدفعون الأمور إلى الانفجار. ولعلّ ما تقدّم، يتّضح من تجدّد العدوان على طولكرم وطوباس، وتنفيذ عمليات اغتيال واسعة تترافق مع عمليات التدمير، علماً أن «الشاباك» قال إن «هناك 47 تحذيراً من تنفيذ عمليات من الضفة في وسط إسرائيل». وبدورها، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصدر عسكري إسرائيلي رفيع، قوله إن «المقاطع المصوّرة للمسلحين خطيرة، سنصل إلى تلك الجهات التي تم تصويرها في الوقت المناسب»، وذلك في تعليق على عرض عسكري في مخيم جنين أعقب العملية الأخيرة. وأتى هذا في وقت تحدثت فيه مصادر «القناة الـ14» اليمينية المقرّبة من نتنياهو، عن أن هناك اتفاقاً فلسطينياً – إسرائيلياً على نشر 500 عنصر أمن فلسطيني بسلاحهم في شمال الضفة ومنطقة الأغوار، لإحباط «عمليات إرهابية».
احمد العبد