مقالات

هل ستثأر إيران لدماء سيّد الشّهداء حسن نصر الله.. متى.. وكيف.. وأين؟

عبد الباري عطوان

السُّؤال الذي يطرح نفسه بقوّةٍ الآن، وبعد اغتيال سيّد الشّهداء والشّرفاء حسن نصر الله أمين عام حزب الله هو كيف سيكون رد الدّولة الإيرانيّة على هذه المجزرة التي راح ضحيّتها عدد كبير من الشّهداء من القادة العسكريين للمُقاومة الإسلاميّة، من بينهم الجِنرال عبّاس نيلفوروشان نائب قائد الحرس الثوري ومسؤوله في لبنان.

قبل الإجابة على هذا السّؤال لا بُدّ من الإشارة إلى أن العديد من المُحلّلين، ونحنُ من بينهم، نعتقد بأنّ الهدف القادم و”المُزمن” لبنيامين نتنياهو “المأزوم” من المُحتمل أن يكون إيران، ومُنشآتها النوويّة، بسبب دعمها النّوعي لأذرع المُقاومة في لبنان والعِراق واليمن وسورية وفِلسطين المُحتلّة، وهو الدّعم الذي أدّى إلى زعزعة أمن واستقرار دولة الاحتلال الإسرائيليّة، وهزيمتها المُهينة في قطاع غزة المُتمثّلة في خسائرها البشريّة والمعنويّة الضّخمة وفشلها في تحقيق جميع أهدافها، وأبرزها القضاء على حركة “حماس” وفصائل المُقاومة الأُخرى وإنهاء حُكمها للقطاع، والإفراج عن جميع الأسرى الرّهائن، وتهجير مِليونيّ من أبناء القطاع إلى صحراء سيناء.

كانَ واضحًا أنّ إيران احتلّت المكانة الأبرز في خطاب نتنياهو الذي ألقاهُ يوم الجمعة أمام الجمعيّة العامّة للأُمم المتحدة أمام مقاعد خالية بعد انسحاب الغالبيّة السّاحقة من الوفود الدبلوماسيّة، والأهم من ذلك أنّ نتنياهو لوّح كعادته بخريطتين، الأُولى خريطة خضراء وصفَها بأنّها الخير وتضمّنت الدّول المُطبّعة، والثّانية خريطة سوداء قال إنّها خريطة الشّر لدُول المُقاومة، واحتلّت إيران حيّزًا كبيرًا فيها، وكرّر تهديداته لها بعقابها لدعم “الإرهاب” أي أذرع المُقاومة وهدّد بغزوها وقال إنّه يستطيع أن يصل إلى أيّ نُقطةٍ فيها.

نتنياهو في تقديرنا أرادَ من خلال نقله حرب الإبادة من غزة إلى لبنان، وتكثيف الهجَمات الصاروخيّة والطّائرات القاذفة، إرهاب القيادة الإيرانيّة وذراعها الضّارب في لبنان (حزب الله) وحاضنته الشعبيّة، ووضع إيران أمام خِيارين: الاستِسلام أو مُواجهة حرب مُدمّرة واغتِيالات لقادتها.

الرّد الإيراني والأقوى على عمليّة الاغتيال والتّهديدات الإسرائيليّة التي حملتها، سواءً بشَكلٍ مُباشرٍ أو غير مُباشر، جاءت على لسان السيّد علي خامنئي المُرشد الأعلى ظُهر اليوم (السبت) هاجم فيه “إسرائيل” وقال “إنّها أصغر من أن تُوجّه ضربةً مُهمّةً لبُنية حزب الله القويّة”، وأضاف “أنّ مصير المِنطقة تُحدّده قوّات المُقاومة، وعلى رأسها حزب الله”، مؤكدًا “أنّ كُل قِوى المُقاومة في المِنطقة تقف إلى جانب حزب الله، وتدعمه”، واختتم تصريحه بالتّأكيد “على أنّه من الواجب على جميع المُسلمين أن يقفوا بكُلّ إمكانيّاتهم مع شعب لبنان، وحزب الله الشّامخ، وأن يُساعدوه في مُواجهة الكيان الغاصب والشّرير”.

لا شك أنّ هذا التّهديد الذي يَصدُر عن صاحب القرار الأوّل في إيران قويٌّ ومُؤثّر، ولكن قد يُجادل البعض بأنّه سمع الكثير مثله في السّنوات الماضية، وظلّ كلامًا ولم يتم تطبيقه عمليًّا على الأرض، وخاصَّةً بعد اغتيال الشّهيد إسماعيل هنية في قلبِ طِهران وأثناء حُضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.

ختامًا نقول إنّ تجنّب السّلطات الإيرانيّة الرّد على المجازر وحرب الإبادة الإسرائيليّة سواءً في لبنان أو قطاع غزة، وبشكلٍ مُباشر لأذرع المُقاومة، هزّ هيبتها وصُورتها ومِصداقيّتها أمام الرّأي العام الإسلامي، وعدم ردّها القويّ للانتِقام من عمليّة اغتيال السيّد نصر الله الإسرائيليّة، ربّما سيُفقدها لهيبتها أيضًا، باعتبارها زعيمة محور المُقاومة، فهُناك فرقٌ كبير بين اغتيال الشّهيد إسماعيل هنية، واغتيال السيّد حسن نصر الله المُؤمن بالوليّ الفقيه ومُعظم قادته الشّهداء من الصّف الأوّل من جناحه العسكريّ.

لا أحد يُريد لإيران التورّط في حُروبٍ مع إسرائيل أو أمريكا، ولكن باتَ واضحًا، وبالدّليل العملي، أنّ إسرائيل تستغل عدم الرّد الإيرانيّ المُباشر، سواءً على الاعتِداءات والاغتِيالات التي تستهدفها بشكلٍ مُباشر وداخِل حُدودها، أو غير مُباشر في لبنان، واليمن والعِراق، في الإقدام على المزيد من المجازر و”العُدوانات”، وربّما تُشجّع على غاراتٍ جويّةٍ قادمةٍ في العُمُق الإيرانيّ.

سياسة النّفس الطّويل، والصّبر الاستراتيجي، والعقلانيّة، ربّما تُفيد مع دُوَلٍ تحترم قواعد الاشتباك وقوانين الحُروب، والقيم الأخلاقيّة، ولكنّها تُعطي نتائج عكسيّة مع عدوٍّ إسرائيليٍّ يدوس على جميع هذه القواعد بأحذيته المُلوّثة بدماءِ القادة والأطفال والنّساء في قطاع غزة ولبنان، بل وفي إيران أيضًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *