مقالات

لماذا يتصدر السيستاني قائمة الاغتيالات الإسرائيلية؟ وهل بدأت صواريخ حزب الله مرحلة عدم استثناء المدنيين في “غزوة” كريات شمونة؟ ما هي الأسباب التي تدفع بايدن للتردد في المشاركة في الهجوم على “رأس الاخطبوط” حتى الآن؟

عبد الباري عطوان

تصريح يواف غالانت وزير الحرب الإسرائيلي الذي جاء على لسانه قبل بضعة أيام، وقال فيه “ان اسرائيل تقاتل أخطبوطا رأسه في طهران واذرعه في لبنان واليمن وسورية والعراق والضفة وغزة”، والمح الى انه يجب ضرب اذرعه وإضعافها، ولكن هذا لا يعني عدم الذهاب الى الرأس في طهران وقطعه، هذا التصريح يأتي التجسيد الأدق للاستراتيجية الإسرائيلية الحالية المتمثلة في تصعيد الحرب في لبنان وغزة، وتنفيذ التهديدات بتوجيه ضربات قوية لتدمير المنشآت النووية والنفطية الإيرانية ردا على الهجوم الإيراني غير المسبوق (الوعد الصادق 2) بمئتي صاروخ فرط صوت قبل أيام وأصابت معظم القواعد الجوية الإسرائيلية وفشلت أحدث منظومات الدفاع الجوي والارضي الامريكية المتطورة في اعتراضها وإسقاطها.

هناك تطوران رئيسيان يعكسان المخطط العسكري والسياسي الإسرائيلي الذي سيتم ترجمته كليا او متدحرجا في الأيام القليلة القادمة، نذكرهما ثم نتحدث عن النتائج المترتبة عليهما، الى جانب فرص النجاح والفشل:

  • الأول: نشر القناة التلفزيونية الرابعة المقربة من بنيامين نتنياهو وحزبه صورة تتضمن قادة أذرع الاخطبوط الإيراني، (حسب وصف القناة)، الموضوعين على قائمة الاغتيالات الإسرائيلية وعلى رأسهم السيد علي السيستاني المرجعية الإسلامية الشيعية العراقية، جنبا الى جنب مع السيد عبد الملك الحوثي قائد حركة “انصار الله” اليمنية، ويحيى السنوار زعيم حركة حماس ومهندس “طوفان الاقصى” العظيم، والشيخ نعيم قاسم نائب الامين العام لحزب الله، والجنرال علي قاآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، وأخيرا السيد علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، ورأس الاخطبوط، حسب التوصيف الإسرائيلي.
  • الثاني: جر الولايات المتحدة الامريكية الى المشاركة في هجوم موسع بالصواريخ والطائرات بتدمير ايران عسكريا واقتصاديا وبما يؤدي الى إضعاف نظامها، وتحريك المعارضة للاستيلاء على السلطة، وعسكريا من خلال تدمير منشآتها النووية وقواعدها ومعاملها الحربية، واقتصاديا من خلال تعطيل صناعتها النفطية والغازية، وتدمير آبارها، وكل المصافي الرئيسية وبما يؤدي في نهاية الأمر الى تجفيف شريانها المالي ومصادر الدخل الرئيسية.

نظريا، وعلى الورق، يبدو هذان التطوران براقين، ولكن عند النظر اليهما من زاوية التطبيق الميداني العملياتي، واحتمالات رد الطرف الآخر، ووضع امكانياته الضخمة في عين الاعتبار، يمكن القول ان الصورة ليست وردية على الاطلاق، وربما أكثر سوادا مما تتوقعه آلة الحرب العسكرية الإسرائيلية وحلفاؤها في واشنطن وبعض العواصم الغربية الأخرى.

نشرح أكثر ونقول ان عمليات الاغتيال الاستعراضية الإسرائيلية، رغم قسوتها، وآثارها النفسية والمعنوية والدعائية التي لا يمكن نكرانها، بدأت تعطي نتائج عكسية نلخصها في النقاط التالية:

  • أولا: نجاح “حزب الله” اللبناني في إعادة هيكلية قيادته العسكرية والسياسية، وتجاوز أزمة اغتيال سيد الشهداء حسن نصر الله زعيمه، وعدد من قادة الصف الأول لقواته بسرعة، وانعكس ذلك في تكثيف العمليات العسكرية وإطلاق الصواريخ لقصف العمق الإسرائيلي المحتل، وخاصة في حيفا وتل ابيب وصفد وعكا ونهاريا، وتولي القيادات الشابة زمام القيادة، وملئ الفراغات الناجمة عن الاغتيالات بها جنبا الى جنب مع القيادات المخضرمة الأخرى، وتأكيد الشيخ قاسم تخطي الحزب للضربات الموجعة وان الحزب لن يستجدي حلا.
  • ثانيا: فشل الجيش الإسرائيلي في اختراق الحدود اللبنانية ولو لبضعة أمتار، بسبب المقاومة الشرسة لكتائب “الرضوان” واستعداداتها العسكرية العالية جدا، الأمر الذي دفع بعض المحليين الإسرائيليين الى التحذير من ان نجاح هذه الكتائب في منع التغلغل في الأراضي اللبنانية قد يمهد لخطواتها الأساسية التي جرى تشكيلها من أجلها، أي اقتحام الجليل وتحريره.
  • ثالثا: كشفت الهجمات الصاروخية (20 صاروخا) المكثفة لقوات المقاومة الإسلامية في لبنان على مدينة كريات شمونة الاستيطانية في شمال فلسطين المحتلة ربما بدء تطبيق معادلة الرد باستهداف المدنيين أيضا وليس العسكريين فقط، حيث أصابت الصواريخ عدة منازل، وجرى قتل مستوطنين اثنين واصابة آخرين، وتكرر الأمر نفسه في حيفا ونهاريا، وهذا تحول لافت وغير مسبوق.
  • رابعا: تأكيد وليم بيرنز رئيس وكالة الاستخبارات الامريكية (سي أي ايه) ان ايران تملك ما يكفي من كميات اليورانيوم المخصب لتركيب قنبلة نووية في غضون أسبوع، وهذا ما يجعل بلاده تتردد في المشاركة الفعلية في أي ضربة إسرائيلية لإيران، علاوة على المخاطر الأخرى وأبرزها ارتفاع أسعار النفط والغاز بنسب خيالية، واغلاق مضيق هرمز وباب المندب، ووقف الملاحة التجارية الدولية، وخلق أزمة عالمية حادة في الطاقة، وفي ذروة موسم الشتاء القارس.

صحيح ان المخابرات الإسرائيلية نجحت في هجوم “البيجرات” السيبراني، وفي اغتيال الشهيد السيد حسن نصر الله، وبعض قادته العسكريين، ولكنها لم تنجح في تدمير قدرات حزب الله العسكرية، وحاضنته الشعبية، وهيكليته التنظيمية، والأهم من ذلك انها فشلت فشلا ذريعا في اغتيال المجاهد يحيى السنوار والقضاء على المقاومة وكتائبها، وتهجير مليونين من سكان القطاع.

التهديد باغتيال السيد علي السيستاني المرجع الشيعي العراقي، سينسف نتائج واحدة من أبرز الحروب الامريكية في الشرق الأوسط، حيث استثمرت ستة تريليونات دولار، وخسرت عشرات الآلاف من قواتها، الى جانب سمعتها، وسيجعل من العراق الذراع الأقوى للمقاومة الإسلامية، وتحوله الى دولة مواجهة عظمى، يمكن ان يقتحم مقاتلوها الحدود الأردنية والوصول الى العمق الفلسطيني المحتل في عدة ساعات، ناهيك عن قدراتها البشرية والصاروخية والمسيرّاتية، وإرثها الثوري.

لا نبالغ اذا قلنا في الختام ان غالانت (اذا بقي على رأس عمله) ومعلمه “المنهار” نتنياهو وكل جنرالاتهم العسكريين والامنيين، لن ينجحوا في تحطيم رأس الاخطبوط ولا قطع أذرعه، ولا حتى اغتيال القادة الخمسة المدرجين في الصورة المذكورة آنفا، وحتى لو نجحوا بدائلهم جاهزة، وتحقق حلمهم في الشهادة، وعلينا التذكير بأن فتوى واحدة من السيد السيستاني حسمت الحرب ضد “داعش” في العراق، وان المقاومة العراقية هزمت وطردت 160 الف جندي امريكي وأنهت احتلالهم.. فالمعادلات تتغير الآن بسرعة في المنطقة، ومعها كل قواعد الاشتباك.. والأيام بيننا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *