البحر الميت بعد الأغوار: فدائيو الأردن لا ينقطعون
رام الله | سواء أدركت ذلك أم لم تدركه بعد، إلا أن الحقيقة التي تعكسها الوقائع على الأرض، تفيد بأن إسرائيل باتت مزنّرة بحزام من نار، لا يمكن لأحد التكهّن بنطاق امتداده. ففيما كان العدو يحتفي باستشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، يحيى السنوار، لم تفارقه المنغصات؛ وجاء أولها في صورة السنوار التي سرّبها العدو نفسه، وظهر فيها بالزيّ العسكري مقاتلاً مشتبكاً قبل استشهاده؛ وثانيها تمثل في إعلان الاحتلال، في الوقت ذاته، وقوع قوة من لواء «غولاني» في كمين قاتل في جنوب لبنان، أسفر عن مقتل ضابطين وثلاثة جنود، إلى جانب إصابة آخرين.
ولم تمضِ ساعات على إعلان استشهاد السنوار جنوبي قطاع غزة، حتى كانت منطقة البحر الميت على موعد مع تسلّل مقاومَين من الأردن، حيث أطلقا النار على قوات الاحتلال. وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن المقاومَين قاما بقطع السياج الحدودي باستخدام مقص، في حين لم يصل جنود العدو إلى المكان إلا بعد حوالى 15 دقيقة من رصد المتسلّلَين، والذي أعقبه اندلاع اشتباك معهم. وزعمت الإذاعة العثور في حوزة المقاومَين على أدوات مثل مناظير، وبوصلة، وخرائط، وسكين كوماندوز، وقاموس للغتين العبرية والعربية، مشيرة إلى أن جيش الاحتلال وضع سيناريوات عدة لاحتمال وقوع أحداث أمنية عند الحدود مع الأردن ومصر، بعد استشهاد السنوار.
وبمعزل عن حجم الخسائر التي نتجت من العملية، فإن وقوعها في ذلك المكان، ونجاح المقاومَين في اختراق الحدود من جنوب البحر الميت، على بعد ثلاثة كيلومترات من مستوطنة «إيلوت»، يمثّلان نقلة نوعية تراها إسرائيل «خطيرة»، كون عمليات التسلّل دائماً ما كانت تقع في منطقة الأغوار. وأصيب جنديان إسرائيليان في العملية، التي استشهد منفّذاها الأردنيان، عامر قواس وحسام أبو غزالة، في وقت أعلن فيه جيش الاحتلال أن ثمة شاباً ثالثاً تمكّن من الانسحاب، ما دفع القوات الإسرائيلية إلى إعلان الاستنفار، والطلب من المستوطنين البقاء في المنازل، بل والاضطرار إلى إجلاء السيّاح من شواطئ البحر الميت. وعلى خلفية الحدث نفسه، فرض جيش العدو طوقاً أمنياً في المنطقة، ودفع بقوات كبيرة، وأغلق الطرق، وشرع في عمليات التمشيط جواً وبراً بحثاً عن «المشتبه به» الثالث، في حين زعم أن المنفذين كانوا يرتدون الزيّ العسكري. وعاد الجيش الإسرائيلي ليعلن، مساء أمس، أنه “بعد عمليات تمشيط واسعة، أزيل الاشتباه بتسلّل مسلح ثالث من الأراضي الأردنية”.
قد تصبح الحدود الأردنية مع الضفة الغربية (400 كيلومتر) الهاجس الأكبر لقوات الاحتلال
وتلقي هذه العملية ثقلاً إضافياً على المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وسط خشية من تكرارها، وتحوّلها إلى نموذج لكثير من الأردنيين، بما يؤدي إلى اشتعال الجبهة الشرقية لفلسطين المحتلة، علماً أن هذا الهجوم يأتي بعد أسابيع قليلة فقط من آخر مشابه نفّذه الشاب الأردني، ماهر الجازي، عند معبر الكرامة، حيث قتل ثلاثة مستوطنين. وتعيش المستوطنات القريبة من الحدود مع الأردن، حالة من الريبة والقلق من وقوع عمليات فدائية، إذ أوردت صحيفة «يسرائيل هيوم» أن مستوطنين من منطقة وادي عربة، أبلغوا «قبل نحو أسبوع، عن تحرّك مركبات بيضاء على طول الحدود الأردنية». ونقلت الصحيفة عن إحدى المستوطنات، قولها: «أنا خائفة وغاضبة، وأريدهم أن يستمعوا إلينا، وأن يستمعوا إلى ما يقوله الميدان؛ أزيلوا التهديد قبل أن يضربنا».
ويبدو جلياً أن عملية البحر الميت ليست معزولة عن كل ما يجري في المنطقة، إذ جاءت بعد شهر على عملية المعبر، فيما يُرجّح أنها لن تكون الأخيرة. كذلك، يشير الحدث إلى تخطيط المنفذين ورصدهم للمنطقة، واتساع نطاق الحدود التي يمكن أن يتسلّل منها المقاومون، وتحديداً جنوب البحر الميت، الأمر قد يجعل الحدود الأردنية مع الضفة الغربية (400 كيلومتر) الهاجس الأكبر لقوات الاحتلال، ويستدعي تالياً انتشار أعداد كبيرة من القوات الإسرائيلية على تلك الحدود، التي يستبعد خبراء عسكريون إمكانية ضبطها.
احمد العبد