الجرأة في الحق صفة من يحبُّ الله والله يحِبُّهُ في وداع القائد البطل يحيى السنوار
جمعه: المفتي الدكتور أحمد نصار – 19\10\2024
الجرأة في الحق قوة نفسية يستمدّها المؤمن من الإيمان بالله الواحد الأحد الذى يعتقده، ومن الحق الذى يعتنقه، ومن الخلود السرمدي الذى يوقن به، ومن القدر الذى يستسلم إليه، ومن المسؤولية التى يستشعر بها، ومن التربية التى نشئ عليها. الجرأة في الحق والاستبسال فيه خلق ينبع من الحب والتفاني في الحق ونصرته وكراهة الباطل والركون إليه، وهي من صفات الأفذاذ وأخلاق العظماء، وفي مقدمتهم أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
الجرأة والإقدام في إعلاء كلمة الله في الأرض، ثم رفع الظلم عن المظلومين، والاضطهاد عن المضطهدين، والحصار عن المحاصرين، وكسر احتلال الغاصبين عن فلسطين؛ هي أشد دليل على الإيمان الراسخ، واليقين الثابت، إذ الموت في هذه المواطن قد يكون محتماً، قال الله تعالى مصرحاً بحب أولئك الأبطال الشجعان: (إن اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)؛ إشارة من الله تعالى إلى إحكام الأمر في القتال، والاستعداد له الاستعداد الأمثل، مع الوحدة والاجتماع التام على الكلمة، ومقابلة العدو بقلوب ثابتة راسخة رسوخ البنيان الشامخ المحكم. ولقد مدح الله عز وجل من صدق في عهده مع الله بالثبات في الصف الرهيب، في يوم الحرب العصيب، حين تهتز الأرض من تحت الأقدام، وتضيع من شدة الخوف الأفهام، فقال سبحانه: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)، وذلك لأنهم ثبتوا ابتغاء مرضات الله، وأقدموا في وجه الموت من دون تقهقر أو إحجام، وهم موقنون أنه قد يكون ذهاب أرواحهم بالثبات والإقدام والبسالة.
إن لله عباداً يحبهم ويحبونه، ومن أهم صفاتهم أنهم أبطال شجعان، شجاعتهم بأنهم أذلة على المؤمنين، جرأتهم في الحق واستبسالهم فيه بأنهم أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله باقدام وشجاعة ولا يخافون لومة لائم، ولا يخشون أحداً إلا الله، قال تعالى في وصفهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)؛ إن هذا الوصف؛ الذلة على المؤمنين، والشدة والعزة على الكافرين، والجهاد في سبيل رب العالمين؛ هو صفة لازمة لأولياء الله المؤمنين، حتى تقوم الساعة إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقد أجماعت الأمة أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة رغم أنف الضالين من المشككين؛ فقد قال رَسُول صلى الله عليه وسلم: (الجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن تقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل).
إن الله يحب عبده الجريء في الحق، والشجاع المقدام الذي لا يبالي بعدّة عدوه أو عتاده، ولا يلتفت لأولئك الجبناء الذين يتركون الجهاد حباً في الحياة، أو يهربون من الثغور إذا حمي وطيس المعارك واشتد البأس، بل يقاتل بكل إصرار حتى يحوز النصر أو الشهادة، دون النظر في قواميس الذلة ومراجع الهزيمة؛ من المستسلمين المفاوضين على حقوقهم أو الخائنين المطبعين. وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بحب الله لعباده الجريئين في الحق المستبسلين فيه، الشجعان الثابتين المحتسبين الذين لا يعرفون للفرار سبيلاً، فقال: (ثلاثة يُحِبُّهُمُ اللهُ، وَثَلاثَةً يُبْغِضُهُمُ اللهُ، فَأَمَّا الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللهُ … [وذكر منهم] رَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ فَلَقِيَ العَدُوَّ فَهُزمُوا وَأَقْبَلَ بصَدْرِهِ حَتَّى يُقتل أو يُفْتَح له …).
إن أمة محمد هي أمة الأبطال، وذلك لأنها آمنت بالبعث بعد الموت، وأيقنت بأن التجارة مع الله هي الرابحة؛ فهم الأبطال يقدمون الروح بكل بسالة لبارئها رغبة بما وعدهم الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: (إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). إن الذي يتمنى الركوب في مراكب الموت، وأسمى أمانيه القتل في سبيل الله، لن يجد الأعداء له رادعاً، ولن يوقف زحفه سدّ، ولن ينال من عزيمته أحد، إلا بخروج روحه من الجسد، وبذلك تتوقف أقلام العز عن الكتابة في صفحات المجد المشرق، وبهذا يكون البطل الهمام قد نال مراده، وطار إلى جنات عرضها السماوات والأرض؛ قال صلى الله عليه وسلم عن أفضل الجهاد: (مَنْ عُقِرَ جَوَادَهُ، وَأَهَرِيقَ دَمُهُ)، وقال صلى الله عليه وسلم عن أفضل الشهداء: (أفضلُ الشهداءِ الذين يُقاتِلونَ في الصفِّ الأولِ فلا يلْفتونَ وجوهَهم حتى يُقتلوا، أولئك يتَلَبَّطونَ في الغَرفِ العُلى من الجنةِ، يضحكُ إليهم ربُّك، فإذا ضحِك ربُّك إلى عبدٍ في موطنٍ فلا حسابَ عليه).
ربح البيع يا أبا إبراهيم أنت وكل الشهداء، هنيئاً لكم، والله نسأله الملتقى.