إسرائيل لا تستعجل تقديم تنازلات: الاتفاق معلّق… حتى انتخابات أميركا
بعد شهرين من الجمود في المساعي الديبلوماسية لإبرام اتفاق، ولو مؤقت، لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، تجددت، الأسبوع الماضي، المساعي المشار إليها بشكل لافت، مدفوعة بتصوّر أميركي بأنّ اغتيال رئيس «حماس»، يحيى السنوار، قد فتح «الباب واسعاً» أمام التوصل إلى اتفاق. على أنّ المسؤولين الأميركيين الذين عبّروا، بدايةً، عن ثقتهم بأنّ «حماس» أصبحت أكثر استعداداً لتقديم «تنازلات»، قد غيروا، أخيراً، من نبرتهم «المتفائلة»، متحدثين تارة عن أنّ المساعي المتجددة تهدف إلى «جس» نبض المقاومة إزاء إمكانية القبول بالعروض التي يتم بحثها، وطوراً عن أنه لا اتفاق يلوح في الأفق، قبل صدور نتائج الانتخابات الأميركية، وسط تعويل إسرائيلي على وصول المرشح الجمهوري للانتخابات، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، ما قد يمنح إسرائيل هامشاً أوسع للاستمرار في عدوانها على غزة ولبنان، وحتى إيران.
وكانت طروحات المفاوضين قد بدأت تتبلور، على مدى الأسبوعين الماضيين، مع إعلان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال زيارته الحادية عشرة إلى المنطقة، الأسبوع الماضي، أنّ الولايات المتحدة «تبحث صياغات جديدة لاتفاق وقف إطلاق النار»، من دون ذكر مزيد من التفاصيل. وفي أعقاب التصريح المشار إليه، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤول أميركي رفيع المستوى قوله إنّ بلينكن كان «يشير إلى احتمال أن تكون إسرائيل على استعداد لوقف هجومها على غزة لمدة قصيرة، مقابل الإفراج عن عدد صغير من الرهائن». وفيما بعد، كثر الحديث عن «الطرح المصري»، الذي ينطوي على وقف لإطلاق النار لمدة أسبوع ونصف أسبوع تقريباً، مع إطلاق سراح عدد من الأسرى الذين تحتفظ بهم «حماس».
وأفاد موقع «أكسيوس» الأميركي، أمس، بأنّ مدير «وكالة المخابرات المركزية» الأميركية، بيل بيرنز، ناقش صياغة جديدة «مطوّرة» للاتفاق خلال اجتماعه، الأحد، مع نظرائه الإسرائيليين والقطريين، تشمل توقف القتال لمدة 28 يوماً، تطلق خلالها «حماس» سراح حوالى 8 أسرى من النساء أو الرجال فوق سن الـ50، مقابل إفراج إسرائيل عن عشرات الأسرى الفلسطينيين، بحسب ثلاثة مسؤولين إسرائيليين. على أنّ الرهان على «تليين» موقف «حماس» لدى الوسطاء، قد بدأ، على ما يبدو، بالتلاشي، إذ ذكر الموقع نفسه أنّ «إسرائيل توافق على وقف مؤقت لإطلاق النار»، بينما لا تزال «حماس» متمسكة بصغية تؤدي إلى «خطوات لا عودة فيها» من جانب إسرائيل، في ما يتعلق بوقف دائم لإطلاق النار والانسحاب من قطاع غزة. وبحسب مسؤول إسرائيلي كبير تحدث إلى الموقع، فإنه «في حال لم يخفف أي من الجانبين من موقفه، فلن يكون هناك أي اتفاق». ويردف «أكسيوس» أنّ الوقائع تُظهر أنّه من غير المرجح حدوث أي خرق قبل الانتخابات الرئاسية، نظراً إلى أنّه من المرجح أن «تعدل كل من إسرائيل و(حماس) موقفيهما بناءً على النتائج».
بدأ رهان الوسطاء على أنّ «حماس» ستليّن موقفها وتقدم تنازلات بالتلاشي أخيراً
تزامناً مع ذلك، بدأ التعويل الإسرائيلي على فوز ترامب، الذي دعا، في وقت سابق، إسرائيل إلى عدم التردد في «ضرب المنشآت النووية الإيرانية»، يتضح أكثر فأكثر. وفي السياق هذا، تفيد مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية بأنّ نتنياهو لا يريد تقديم تنازلات اليوم، قد تكون «غير ضرورية» بعد الخامس من الشهر المقبل، في إشارة إلى موعد الانتخابات الأميركية، والتي ستحدد «مساحة الحرية» التي ستمنحه إياها واشنطن، الممول الرئيس لتل أبيب. وتنقل المجلة عن نداف شتروشلر، المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي السابق لنتنياهو، قوله إنّه «ما من صفقة ضخمة ستنهي الحرب الأسبوع المقبل»، وسط تصورات إسرائيلية بأنّ «ترامب سيقدم المزيد لنتنياهو». كما تنقل عن محللين قولهم إنّه في حال انتخابه، «فسيكون من المرجح أن يقبل ترامب السيطرة الإسرائيلية الطويلة الأمد على أجزاء من غزة، فضلاً عن توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان وإيران». وتشير إيلي جيرانمايه، خبيرة الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، بدورها، في حديثها إلى المجلة، إلى أنّ فوز المرشح الجمهوري سيزيد من التصعيد بين إيران وإسرائيل، فيما يبدو الأخير أكثر ميلاً في اتجاه السماح لحليفته «بشنّ المزيد من العمليات العسكرية على الأراضي الإيرانية»، ويصعّب، بالتالي، مهمة تهدئة الحرب في غزة ولبنان. وتردف الخبيرة أنّه على الرغم من أنّ وصول هاريس إلى البيت الأبيض لن يقلل، على الغالب، من الدعم المالي والعسكري الطويل الأمد لإسرائيل، والذي يحظى بدعم من الحزبين في الداخل الأميركي، إلا أنّ المرشحة الديموقراطية، ستواصل، في حال فوزها، الدفع في اتجاه وقف لإطلاق النار في غزة ولبنان، ومنع الصراع مع طهران من أن يتحول إلى «حرب شاملة».
ريم هاني