مقالات

كيف تجسّد أبرز انتصارات سلاح المُقاطعة في إغلاق متاجر “كارفور” في الأردن وما هي معانيه ورسائله الخطيرة إلى حُكومات التّطبيع؟ وهل هو إنذار بانفجاراتٍ شعبيّةٍ قادمة؟ وما علاقته بالعمليّات الاستِشهاديّة للنّشامى الأردنيين؟

عبد الباري عطوان

باستثناء العمليّات العسكريّة البُطوليّة التي تشنّها أذرع المُقاومة الإسلاميّة والعربيّة في العُمُق الفِلسطيني المُحتل بالصّواريخ والمُسيّرات الانقضاضيّة، تظل الأخبار المُفرحة خارج نطاق الجبَهات في قطاع غزة ولبنان والضفّة الغربيّة واليمن والعِراق قليلة، بل نادرة، في ظِل تعاظُم تواطُؤ مُعظم الأنظمة العربيّة الحاكمة مع دولة الاحتلال، وتأييدها غير المُعلن لحُروب الإبادة الإسرائيليّة التي تهدفُ إلى تركيعِ الأُمّة والاجتثاث الكُلّي لهذه الأذرع وخاصَّةً حركة “حماس” في فِلسطين و”حزب الله” في لبنان، و”أنصار الله” في اليمن، والمُقاومة الإسلاميّة في العِراق، وجاء كتاب “الحرب” الذي ألّفه الصّحافي الأمريكي المعروف بوب وودورد ليُميطَ اللّثام بالحقائق عن هذا التّواطُؤ من قِبَل العديد من المُلوك والرّؤساء العرب.

في ظِل هذا التّواطؤ الخِياني والمُعيب، كانَ مِن الطّبيعي بالنّسبة إلينا أنْ نفرح ونحنُ نُتابع إعلان سلسلة متاجر “كارفور” العِملاقة إغلاق متاجرها في الأردن، نظرًا للنّجاح الكبير الذي حقّقته حركة المُقاطعة الشعبيّة للشّركات والعلامات التجاريّة المُتعاونة مع دولة الاحتلال، والدّاعمة للمجازر وحمَلات الإبادة والتّطهير العِرقي وحرب التّجويع لأهلنا في الأراضي المُحتلّة ولبنان الشّقيق المُقاوم.

هذا الإعلان له قيمةٌ معنويّةٌ هائلة، لأنّه يُجسّد المُقاومة الشعبيّة النّاعمة، في تناقضٍ واضح، وكرَدٍّ قويٍّ، على تواطُؤ الحُكومات، وصمتها المُريب أمام المجازر الإسرائيليّة وحمَلات التّجويع، والأكثر من ذلك، إقامة جُسور بريّة وتسخير جيش من الشّاحنات لتزويد الاحتلال بكُلّ احتِياجاته من الغذاء والبضائع الأُخرى في وضحِ النّهار، ودون أيّ خجلٍ أو اعتبارٍ لمشاعر شُعوبها الوطنيّة والأخلاقيّة.

هذا الانتصار الشعبيّ الكبير في الأردن الذي يأتي مُكَمِّلًا للعمليّات الاستشهاديّة التي نفّذها نشامى القبائل الوطنيّة الشّرق أردنيّة، في الدّاخل الفِلسطيني المُحتل، وأوّلها في معبر الكرامة على يد الشّهيد ماهر الجازي ابن قبيلة الحويطات، وثانيها هُجوم استشهادي شنّه الشّهيدان حسام أبو غزالة وعامر قواس، على القوّات الإسرائيليّة في مِنطقة الغور المُحتلّة.

الرّسالة الشعبيّة الوطنيّة المُزدوجة المُتمثّلة سواءً في التمسّك بسلاحِ المُقاطعة، ضدّ الشّركات المُتعاملة مع الاحتلال وإجبارها على إغلاقِ أبوابها والرّحيل، أو باقتحام الشباب الأردنيّ المُؤمن الشّهم للحُدود لا تُؤكّد على وحدة الدّم، والتمسّك بسِلاح المُقاومة بإشكاله كافّة، وإنّما تأتي تجسيدًا لحراكٍ شعبيٍّ قويٍّ في طَور التوسّع، وتحذير للحُكومات التي راهنت على استخدام القوّة كسلاحٍ لتركيع الشّعوب، واستِسلامها، وبما يُمكّنها من مُواصلة السّير على درب التّطبيع، والتّعاون مع الاحتلال، والتستّر على مجازره وخططه لتوسيع وتسمين دولة الاحتلال، وتكريس هيمنته على المِنطقة العربيّة بأسْرِها، ونحنُ نستند هُنا على تصريحاتِ بنيامين نتنياهو في هذا الصّدد، وتقسيمه العالم العربيّ إلى محورٍ للشّر، أي المُقاومة، ومحورِ الخير “المُطبّع” المُستَسلِم، والتعهّد بإعادة رسم خريطة المِنطقة وفق خطط التوسّع والضّم الإسرائيليّة، وحُصول نتنياهو على “مُباركة” دونالد ترامب ودعمه المرشّح الأمريكيّ الطّامع في العودةِ إلى الرّئاسة.

جميع الشّركات الغربيّة التي تقف في خندق حرب الإبادة وتدعمها، بدأت تتلوّى ألمًا من تأثيراتِ سِلاحِ المُقاطعة على دخلها وأرباحها، وانهيار قيمة أسهمها في البُورصات المحليّة والعالميّة، مصب شركة ستاربكس وسلسلة محلّات القهوة التّابعة لها المُهَدَّدة بالإغلاق لانخفاض مبيعاتها بأكثر من 74 بالمئة في الأشهر الثّلاثة الأخيرة، أمّا شركة أمريكانا للمطاعم صاحبة سلسلة “كنتاكي”، و”بيتزا هت” فانخفضت أرباحها بأكثر من 48.1 بالمئة في مُعظم الدّول والسعوديّة خاصَّةً، والشّيء نفسه يُقال بطريقةٍ أو بأُخرى عن شركات المياه الغازيّة مِثل كوكاكولا، وبيبسي والقائمة طويلة يَصعُب حصرها.

مُعظم الشّعوب العربيّة لم تعد مُستسلمة خاضعة مِثل حُكوماتها، وباتت أكثر وطنيّة وأخلاقيّة منها، وأتباعها، سواءً كانت في الأوطان أو المهاجر، وتزاوج بين المُظاهرات الاحتجاجيّة، والحرب الإعلاميّة الشّرسة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفوق هذا وذاك بتطوير سلاح المُقاطعة وسنّ أسنانه، وجذب العديد من الشّعوب الحيّة للانضِمام إليه خاصَّةً في إفريقيا وآسيا والجاليات المُهاجرة في الغرب، ويكفي الإشارة إلى أنّ مبيعات متاجر “ستاربكس” انخفضت في أمريكا اللّاتينيّة بأكثر من 6 بالمئة، وفي الصين أكثر من 14 بالمئة.

أعترف أنّني أنتمى إلى الجيلِ القديم، جيل الكتابة بالورقة والقلم، وبيني وبين التّكنولوجيا الحديثة خُصومةٌ عنيدة، ولكنّ الأجيال الجديدة، عربيّة كانت أو إسلاميّة، أو صديقة رفعت رؤوسنا عاليًا، بفكّ أسرار هذه التّكنولوجيا والسّيطرة عليها وتوظيفها في مُواجهة الأعداء، والانتصار للقضايا العادلة في العالم بأسْرِه ولعلّ المُظاهرات العارمة في الجامعات الأمريكيّة ومُعظم الأوروبيّة هي أبرز ثمار جُهودها الجبّارة.

فعندما أصبح هذا الجيل الجديد يحمّل على جهاز هاتفه تطبيقًا (أب) يُخزّن أسماء كُلّ الشركات التي تتعاطى مع حرب الإبادة وتدعمها، ولا يشتري أي بضاعة قبل استِخدامه (التّطبيق) للتأكّد ما إذا كانت على لائحة المُقاطعة أمْ لا، فإنّ هذا بداية عمليّة التّغيير التي بدأت تجتاح المِنطقة والعالم، وتُمهّد الطّريق للنّصر الكبير بإذنِ الله.

نَختِمُ بالشُّكر لأهلنا في الأردن الذين فرّحونا بهذا الانتصار الكبير بإغلاق متاجر كارفور، واجتِثاثها من جُذورها النّجسة، وتقديم نموذجا مشرفا لكُل الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، وجميل أنْ يكون أهلنا في الأردن هُم القُدوة.. انفجار بُركان الشّعوب الحُرّة الوطنيّة الشّريفة بدأ، وسيجرف كُل الباطل الذي يُعرقل مسيرته.. والأيّام بيننا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *