«الأرض المحروقة» لا تكسر المقاومة: «أحداث صعبة» بالجملة
غزة | تٌسجَّل العملية العسكرية في مخيم جباليا ومحافظة شمال قطاع غزة كواحدة من أوسع وأطول العمليات البرية التي شهدتها الحرب المستمرة في القطاع منذ 14 شهراً، وهي أيضاً أكبر التوغّلات البرية التي استخدم فيها جيش العدو زخماً نارياً متعدّد المستويات، بدءاً من القصف الجوي العنيف وتوظيف الطائرات المُسيّرة وطائرات «كوادكابتر»، وصولاً إلى القصف المدفعي. ويمكن القول إن الجهد العسكري الإسرائيلي في غزة يتركّز منذ 65 يوماً في منطقة العمليات الشمالية المحاصرة، والتي دمّر الاحتلال فيها الآلاف من المنازل، بل العشرات من الأحياء والمناطق، ما انعكس في حجم الخسائر البشرية الكبير، والذي تجاوز ثلاثة آلاف شهيد وعشرة آلاف مصاب، قضى معظمهم في مجازر جماعية كبرى، حين نسف جيش العدو المنازل على رؤوس النازحين بواسطة القنابل والروبوتات المفخّخة.
وتلك الأخيرة لعبت في التوغّل المستمر، الدور الأخطر والأكثر عشوائية في التدمير والخراب وإزهاق الأرواح، إذ إن تفجير الواحد منها، والذي يحمل أكثر من 4 آلاف كيلوغرام من المتفجرات، يتسبّب بموجة عاصفة من الضغط يشعر بها من يسكن على بعد 10 كيلومترات، وكأنها لا تبعد عنه سوى بضع مئات من الأمتار. لا بل وتضطر الجبهة الداخلية في جيش العدو، والحال هذه، إلى إصدار توضيحات بأن ما يسمعه المستوطنون في غلاف غزة ومدن عسقلان وأسدود هو نتاج «نشاط للجيش» في جباليا وشمال القطاع، حتى لا يصابوا بالرعب.
مصرع 3 جنود وإصابة 18 بقذيفة مقاوم أصابت شحنة متفجّرة للعدو
غير أن ما جرى، صباح أمس، كان مغايراً لكل ما مضى، إذ استطاعت المقاومة تنفيذ واحدة من أكبر عملياتها في جباليا منذ بداية العملية البرية. ووفقاً لما تناقله الإعلام العبري، فقد انتظر أحد المقاومين وصول شاحنة تقل عدداً كبيراً من جنود الاحتلال وبرفقتها كمية من المتفجرات لم يُحدّد بعد ما إن كانت براميل أو روبوتات مفخّخة، وعند وصولها إلى حيّز الرماية في نقطة المقتلة، أطلق المقاوم قذيفة مضادة للدروع تجاه الشحنة المتفجّرة القريبة من الجنود، ما أدى إلى انفجار هائل تسبّب في مقتل ثلاثة جنود وإصابة 18 آخرين بجروح متنوعة. واضطر هذا «الحدث الأمني الصعب»، وفق الوصف الإخباري الإسرائيلي، طائرات الإخلاء المروحية الإسرائيلية إلى القيام بثلاث جولات لانتشال المصابين من المكان، تحت غطاء من القصف المدفعي العنيف وتحليق متواصل للطيران الحربي.
وأقرّ جيش الاحتلال أيضاً، أمس، بوقوع حدثين آخرين وُصفا بأنهما «صعبان». ويأتي تكرار هذه الأحداث، بعد موجة دعائية كبيرة كرّر فيها العدو عبارات «انهيار جباليا» و»سقوط جباليا». والأهم أنه يأتي بعد 65 يوماً من الضغط الميداني والعسكري الذي طُبّقت خلاله بشكل حرفي سياسة «الأرض المحروقة»، وكان من المفترض أن يفضي إلى القضاء على آخر الزُّمر القتالية، بل ويكسر إرادة القتال والصمود لدى المحاصرين بلا طعام أو علاج أو ماء، وتلك كانت النتيجة المنطقية التي تدفع الجنود إلى التراخي في إجراءات السلامة والتنقّل بالشاحنات والجيبات المكشوفة.
أما الرد الذي قابل به العدو ارتفاع عدد قتلاه في جباليا إلى أكثر من 37 قتيلاً، فهو المزيد من الانتقام بارتكاب المجازر واستهداف المستشفيات، حيث قصف، أمس، تجمعاً للمواطنين في مشروع بيت لاهيا، ما تسبّب باستشهاد 6 من الشبان، ودمّر مركز إيواء مدرسة «أبو حسين» في وسط المخيم، كما كثّف من عمليات نسف المنازل وتدمير البنية التحتية.
يوسف فارس