سورية تحت الانتداب التركي والاحتلال الإسرائيلي
ناصر قنديل
– كما توقع الجميع ما عدا الرئيس التركي رجب أردوغان، لم يكن كافياً حسن التخطيط والتجهيز والتنظيم لحملة إسقاط سورية للاحتفال بالنصر، فقد وضعت سورية فعلياً تحت الانتداب التركي، ولعل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لم يستخدم الكفوف الدبلوماسية في حديثه عن سورية بالقول “لقد فعلتها تركيا وهي منذ عشرات السنوات تحلم بفعل ذلك، لكنها أقفلت جانباً من الصراع والجانب الآخر لم يُقفل”. والواضح أنه يقصد الجانب الكردي الذي يعلم ترامب أن الدولة العميقة الأميركية وحليفه بنيامين نتنياهو يتمسّكان بمنع تركيا من إقفاله.
السوريون أمام مشروع انتداب يستعيد ذاكرة الانتداب الفرنسي، وكل انتداب يبني تحالفات ويحاول تسويق مفهوم للاستقرار يحفظ امتيازات الانتداب، لكن السوريين يواجهون أيضاً احتلالاً إسرائيلياً إضافة لاحتلال الجولان وضمه، وهو يتمدّد باتجاه الاقتراب من العاصمة دمشق، بينما الغارات الإسرائيلية تُمعن في تدمير كل قدرات الجيش السوري، ولا يستطيع السوريون تبنّي الخطاب الذي يقول إن الأولوية هي للمضي قدماً بآليات بناء سلطة دون موقف سياسي وطني يبنى على أن السلطة الجديدة يجب أن تكون دولة السوريين الوطنية غير الخاضعة للانتداب وغير القابلة بأي احتلال وغير المهادنة لكل عدوان.
– عام 1982 مرّ لبنان بتجربة مشابهة واعتقد الكثيرون أن اللبنانيين سوف يحتاجون إلى عشرات السنوات كي يبدأوا التفكير بكيفية مواجهة الاحتلال ومشاريعه، وأنهم بعد حرب أهلية قاسية سوف يمنحون الأولوية لإعادة بناء الدولة في كنف دولي يمثل الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، لأنه القادر على الضغط على “إسرائيل” وفرض سحب قواتها، وكان اللبنانيون يخرجون من زمن دمويّ خاضه بعضهم مع مرحلة كان عنوانها التنظيمات الفلسطينية، ونظر للاجتياح الإسرائيلي كمعونة للخلاص من هذه المرحلة، وكان العنوان العداء للفلسطينيين ولاحقاً للسوريين، كما هو العداء في بيئات سورية لإيران وبدرجة أقلّ لروسيا. وكما تنظر هذه البيئات للنظام السابق كما نظر بعض اللبنانيين للتنظيمات الفلسطينية، لكن اللبنانيين لم يتأخروا عن إدراك أن لا قيمة لبناء سلطة جديدة في كنف الاحتلال والانتداب وتحت رعاية حلفائه، وبدأت تتجمّع إرادات لبنانية متعددة لمقاومة سياسية وشعبية ولاحقاً عسكرية للاحتلال. وهذا ما حدث مع السوريين قبل مئة سنة عندما انتفضوا موحّدين وثاروا بوجه الاحتلال الفرنسي ورفضوا صيغ التقسيم وربطوا بين مساري الوحدة والتحرير وبقوا عشرين سنة يقاتلون حتى نالوا حرية بلدهم.
– نجح السوريون بوجه الانتداب الفرنسي لأنهم لم يمنحوا الاحتلال فرصة العبث بوحدتهم، ونجح اللبنانيون في مقاومة الاحتلال لأنهم بذلوا كل جهودهم لمنع إعادة إشعال الحرب الأهلية، وانخرطوا في كل مساعي المصالحة الداخلية، واعتبروا السلم الأهلي ووحدة النسيج الاجتماعي ركناً من أركان مشروع المقاومة، والسوريون اليوم يهتمون بالخروج من اللحظة الصعبة الراهنة بأقل تأثيرات سلبية على وحدتهم، سعياً لحماية السلم الأهلي، وتعزيز الوحدة الوطنية، لكنّهم لم يتأخروا عن النهوض بمسؤوليتهم التاريخية، برفض أي وصاية وانتداب ومواجهة كل احتلال وعدوان.
– في الوقت الذي يحتاجه السوريون لتثبيت سلمهم الأهلي، ربما تندلع الحرب في شمال البلاد، حيث المشاريع الدولية المتضاربة والمتحالفة تصفي حساباتها بدماء السوريين، حيث المشروع التركي يريد ضمان إحكام سيطرته على سورية بتصفية الجيب الكرديّ الذي يحظى بحماية أميركية، والذي تسعى “إسرائيل” لجعله إقليماً مستقلاً بقواته المسلحة ومصادره النفطية على طريقة كردستان العراق، داخل الدولة وخارجها، وهذا سوف يعطي السوريين استراحة يحتاجونها، وفرصة التأمل لمعرفة ماذا يخطط لبلدهم، وكيف يجب أن يمسكوا مستقبلهم بأيديهم.