تحدّيات إسرائيل في لبنان: إنجازات الحرب مؤقتة
التوصيات التي أصدرها «مركز أبحاث الأمن القومي» في تل أبيب، أمس، تضع خريطة طريق لصاحب القرار ومخططي السياسات في الحكومة الإسرائيلية، من شأنها أن تكمل أهداف الحرب الأخيرة ونتائجها، وصولاً إلى تغيير العلاقات الإسرائيلية – اللبنانية، وإن كان هذا الأخير هدفاً بعيد المنال حالياً. ومن ضمن هذه التوصيات، العمل في لبنان من دون تدخل علني، عبر الشريك الأميركي الذي بات أكثر قوة وتسلّطاً، لدفع الداخل اللبناني نفسه إلى تولي تنفيذ خطة سياسية واقتصادية تهدف إلى «تعميق ضعف حزب الله، وتعزيز القيادة اللبنانية الجديدة».
وتوصيات المركز هي الأولى التي تصدر بعد الحرب عن مراكز بحثية ذات صلة بوضع السياسات الإسرائيلية تجاه الساحة اللبنانية. إذ اقتصرت معظم مقاربات هذه المراكز، حتى الآن، على توصيف ما حدث ويحدث على الساحة اللبنانية، عسكرياً وسياسياً، ومقارنة الأهداف التي رسمت للحرب وما تحقّق منها، وتظهير التباينات بين ما تحقق وبين السقوف العالية التي توقّعها الكيان، حكومةً وأجهزة أمنية وجمهوراً، مع الإشارة إلى خيبة قادة المستوطنين ومستوطني الشمال من النتائج، ومما يعاينونه مباشرة على الجانب الثاني من الحدود، بعد أكثر من ستين يوماً على وقف إطلاق النار.
وتطرق المركز إلى جملة من التحديات أمام إسرائيل في مرحلة ما بعد الحرب، ضمن فرضيات لا تخلو أيٌّ منها من أرجحية معتدّ بها، وخصوصاً مع «التطور الإيجابي» المتمثل بالتغيّر في القيادة السياسية في لبنان، وفي ميزان قوى الجهات الخارجية المتدخلة في الساحة اللبنانية، من غلبة وهيمنة إيرانية إلى غلبة مشتركة أميركية – فرنسية – سعودية. ومن هذه التحديات:
– أن لا يتخلّى حزب الله عن قدراته العسكرية ويعمل على إعادة ترميم هذه القدرات، ما يمثّل تحدّياً مباشراً بالحفاظ على الإنجازات العسكرية في أعقاب الحرب، وفي مقدّمها منع إعادة ترميم القدرة العسكرية لعدوّها في جنوب لبنان.
– التحدي الثاني، المبني على الأول، أن تواجه إسرائيل بعد انسحابها من لبنان صعوبة في الحفاظ على وقف إطلاق النار. وإذا كان حزب الله معنيّاً في المدى الفوري بتجنب المواجهات العسكرية مع الجيش الإسرائيلي، إلا أنه قد يلجأ إلى وسائل وطرق أخرى غير عسكرية. وانطلاقاً من دروس وعِبر ما بعد حرب عام 2006، فإن إسرائيل ملزمة بالتدخل لمنع انتظام حزب الله عسكرياً في جنوب لبنان. ومعنيّة بطلب إزالة أيّ انتهاك لحزب الله، عبر الجيش اللبناني وغيره وفق آليات محددة، لكنها أيضاً ستتصرف بنفسها وفقاً لتفسيرها لاتفاق وقف إطلاق النار، ما يعني التسبب بتوتر أمني مع لبنان وعلى طول الحدود في الشمال.
– يتمثل التحدي الثالث في اختلاف المصالح الآنية وعلى المديين المتوسط والبعيد بين الرؤى الأميركية والإسرائيلية، وخصوصاً في ما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار الذي للراعي الأميركي دور مركزي في تنفيذه. وبحسب المركز، قد تكون هناك خلافات حول هذا الموضوع مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رغم أن رئيس اللجنة الخماسية المشرفة على اتفاق وقف إطلاق النار الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز، يظهر حالياً تفهماً للمطالب الإسرائيلية.
في الخلاصة، يبدو أن مركز أبحاث الأمن القومي يميل إلى التعاطي مع نتائج الحرب، وما أفضت إليه من «إضعاف حزب الله»، على أنها نتيجة مؤقتة تستدعي من إسرائيل استكمالها بسلسلة إجراءات وسياسات دونها صعوبات، تتعلق بما ينبغي عليها الإقدام عليه من سياسات هجومية قد تفضي إلى توترات أمنية على طول الحدود، وصعوبات الرهان على الجهات اللبنانية و«القيادة السياسية الجديدة»، إضافة إلى صعوبات ترتبط بالقرار الأميركي الذي يتوقع أن يتباين مع إسرائيل، رغم تفهّمه لحاجاتها الأمنية.
يحيى دبوق