نفحات الحب من أنوار أيام القرب
بقلم الشيخ عبد الرحمن حسون
هل هي الغيرة التي قتل بها قابيل هابيل سلام الله عليه
هل هي الأنا التي جعلت الشيطان يطغى ويتجبر ويعصي خالقه سبحانه
هل هو الحقد الذي سببته نفوسٌ نسيت ربها وراحت تلقي الفتن والتهم جزافاً
ماهذا الذي وصلنا إليه ياأبناء الأمة الإسلامية أين نحن من رفعة القيم وسمو الأخلاق التي تتصف بها شريعتنا والتي من من أهم مبادئها الحب والخير والصفح، وحسن التعايش مع كافة البشر، ووطدت في نفوس أبنائها عدداً من المفاهيم والأسس من أجل ترسيخ الأمن والأمان والطمأنينة والسلام ليكون معها وحدة متينة من الأخلاق الراقية التي تسهم في وحدة الأمة، ورفعتها والعيش بحياة السعادة والهناء والصفاء
. ومن تلك المفاهيم: العفو، والتسامح، والصفح عن المسيء، وعدم الظلم، والصبر على الأذى، واحتساب الأجر من الله تعالى، حيث جاءت نصوص قرآنية وأحاديث نبوية لتأكيد هذه المفاهيم، وإقامة أركان المجتمع المسلم السليم على الفضل، وحسن الخلق، ومنها قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ (وقال تعالى أيضاً: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾
. وكذلك قال تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ فإن ذلك كله من شأنه ترسيخ دعائم الأمن والأمان في المجتمع.
وعن عائشة رضيَّ اللهُ عَنْهَا قالت: «ما ضرب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى» (رواه مسلم).
وعن أنس – رضيَّ اللهُ عَنْهَ – قال: «كنت أمشي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه، فضحك ثم أمر له بعطاء» (متفق عليه).
وغير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على فضل التسامح والعفو والصفح عن الناس، والصبر على الأذى، ولا سيما إذا أوذي المرء في الله فإنه يصبر ويحتسب وينتظر الفرج. فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألّف حول دعوته القلوب، وجعل أصحابه يفدونها بأرواحهم وبأعز ما يملكون بخُلقه الكريم، وحلمه، وعفوه، وكثيراً ما كان يستغضب غير أنه لم يجاوز حدود التكرم والإغضاء، ولم ينتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها بعدل الشريعة لا بشهوة النفس التي تحكم بالأقوال وقيل عن قال ولاتحكم بالحق والحقيقة وعلى مثل ضوء الشمس في البيان والوضوح …
ولما فتح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة ودخلها نهاراً بعد أن خرج منها ليلاً، وحطم الأصنام بيده، وقف أهل مكة يرقبون أمامه العقاب الذي سينزله بهم رسول الله جزاء ما قدموه له من إيذاءٍ، لا يحتمله إلا أهل العزائم القوية، إلا أنه قال لهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء. فاسترد أهل مكة أنفاسهم وبدأت البيوت تفتح على مصاريعها لتبايع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لقد برز حلم وتسامح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في هذا الموقف الذي سار عليه الأنبياء من قبله، فما أجمل العفو عند المقدرة.
وللحديث بقية بإذن الله لأتعلم أنا قبل أي أحد ولأهذب نفسي بأدب الشريعة السليمة التي هي المحجة البيضاء ….
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا
وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان
اللهم آمين
المحب لكم عبد الرحمن حسون