مقالات

هل تقترب جبهة لبنان من الساعة الصفر؟

ناصر قنديل

– لا يُخفي حزب الله وجود ثلاثيّة تتحكم بحساباته في جبهة الجنوب، ركنها الأول أنه قام بخطوة فتح الجبهة في مواجهة جيش الاحتلال وأنه سوف يقوم بالضغط عبرها ويرفع مستوى التصعيد بما يخدم أهدافه من فتحها، وهي أهداف تتصل بتقديم الدعم للمعركة التي تخوضها المقاومة في قطاع غزة، سواء عبر استنزاف جيش الاحتلال بقدراته البشريّة والتقنيّة وتجهيزاته الإلكترونيّة وحالته النفسية والمعنوية، أو عبر فتح ملف تهجير المستوطنين والضغط عبره على قيادة الكيان بصداع سياسي أمني يجعل التفكير بوقف العدوان على غزة باعتباره الممر الإلزامي للتعافي من هذا الصداع. أما الركن الثاني فهو الحرص على أن يرتبط رفع وتيرة النار ومدى عمقها وسعة استهدافاتها بالتمسّك بتفادي الانزلاق نحو حرب شاملة، لا يريد الحزب أن يذهب إليها ابتداءً وبمبادرة منه، ولا يرى فيها خدمة لأهدافه لأنه يعتبرها سبباً لتغيير وجهة الرأي العام العالمي الذي ترتبط مساندته للقضية الفلسطينية وانتفاضته على كيان الاحتلال بشرط بقاء فلسطين عنواناً ظاهراً بقوة للحرب، كما يعتبر أن الذهاب الى هذه الحرب سببٌ لانقسامات لبنانية وعربية يمكن تفاديها عبر السعي لتجنب مثل هذا الانزلاق. أما الركن الثالث فهو الإبقاء على مفهوم الاحتمالات المفتوحة، التي يصبح فيها السير إلى الحرب خياراً محتوماً، كمثل ظهور خطر على المقاومة في غزة، أو ارتكاب الاحتلال حماقة كبرى في تعامله مع ملف المدنيين ضمن هذه المواجهة بصورة توجب رداً قد يكون نقطة التدحرج نحو مستويات أعلى من الحرب، وصولاً إلى الانزلاق للحرب الشاملة. وهذا ما يمكن استخلاصه من كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن الاحتمالات المفتوحة وفقاً لمراقبة سلوك كيان الاحتلال تجاه المدنيين، ومتابعة الوضع في غزة حيث التزام الحزب بخروج المقاومة منتصرة من هذه الحرب.
– مع وضوح الصورة على ضفة حزب الله، حال من الضياع والتشويش على ضفة الاحتلال، فالتعامل في بدايات الحرب مع جبهة لبنان كان التأقلم مع مستوى التصعيد الذي يختاره حزب الله تحت شعار أن الأولوية عند الكيان هي لتحقيق النصر في غزة، وأن تفادي الدخول في مواجهة مع حزب الله يجب أن يحكم الأداء على جبهة لبنان. ثم تغيّرت المقاربة نحو السعي لإقامة توازن ناريّ يتيح ضمان بقاء أكبر عدد من المستوطنين في مناطق شمال فلسطين المحتلة. وكلما بدا أن جبهة لبنان تحوّلت الى جبهة ضاغطة في ملف المستوطنين، كان خطاب قادة الكيان يصبح أقرب للغة التهديد، حتى كاد صداع مستوطني الشمال يصبح معادلاً لصداع الأسرى في غزة، فتم اختراع المبادرات الدبلوماسية التي اشترك فيها الأميركي والفرنسي، لكنها لم تلق يوماً أذناً صاغية لدى حزب الله الذي حافظ على نص واحد، مضمونه أن التهدئة تبدأ من غزة والتصعيد يبدأ من غزة، لكن هذه المبادرات وما جرى تحميله لها من عناوين كانت جزءاً من عملية شراء الوقت مع المستوطنين، أملاً بالانتهاء من الحرب في غزة بصورة نصر تتيح إعلان وقف الحرب وعودة المستوطنين، لكن ذلك لم يحدث، وما حدث كان العكس، فقد تحوّلت الحرب في غزة، رغم حجم المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال بحق البشر والحجر، إلى هزيمة كاملة لجيش الاحتلال تنتظر الاعتراف بها.
– هنا حدث تحوّلان مهمّان، الأول أن فرضيّة القلق على المقاومة في غزة تراجعت عند حزب الله كواحدة من فرضيّات الاحتمالات المفتوحة، والثاني هو أن قادة الكيان العاجزين عن التسليم بالهزيمة لما يترتّب عليها من تحدٍّ وجودي للكيان وقدرته على الاستقرار والاستمرار، بدأوا يتداولون فرضيّة توسيع الحرب بصورة تقرّب نهايتها ولكن بصفتها حرباً كبرى، فتضيع الهزيمة في غزة في قلب توازنات دولية وإقليمية تحيط بوقف الحرب عندما تصبح حرباً إقليمية كبرى، لكن ملاقاة جموح الكيان نحو التصعيد هنا لا يمكن أن يقابل بالعكس لتفادي التصعيد عبر التراجع، لأن هذا سيمنح الكيان فرصة التحدّث عن نصر بديل للنصر في غزة، ويخفّف عنه ضغوط الاعتراف بالهزيمة أمام المقاومة هناك، ويُعيد ترميم جبهته الداخليّة وروحه المعنوية من التآكل، خصوصاً أن التصعيد يتمّ من بوابة رفع وتيرة استهداف المدنيّين، وهذا الركن الأول في فرضيّة الاحتمالات المفتوحة، ما يعني أن المقاومة معنيّة برفع مستوى التحدّي والردع، لدفع قادة الكيان نحو إعادة حساباتهم قبل التورّط في حرب قد لا تتوقف عند حدود تكتيكيّة يفترضون إمكانيّة التحكم بها، باعتبار أن المقاومة في لبنان لا تريد الحرب الشاملة. لكن هذا موجود في رؤوسهم فقط، لأنه إذا تحوّلت المواجهة الى هذا النوع من الحرب فإن المقاومة سوف تخوضها، وفق معادلة لا نريد الحرب لكننا لا نخشاها، وإذا فرضت علينا فسوف نذهب اليها بكل ما لينا من قوة لنحقق النصر الذي يعادل حجم التضحيات، لأن مفهوم المقاومة هنا للحرب يتطابق مع مسؤوليّتها الدفاعية لحماية لبنان من خطر العودة الى ساحة لمناورات الكيان التكتيكية، والرد هو رفع كلفة الحرب إلى الحد الذي يجعل التفكير بها استحالة، لكن الحرب إذا اندلعت قد لا تكون بعدها فرصة لإعادة التفكير بها مرة أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *