غير مصنف

إسرائيل تُراوغ بايدن وتنتظر ترامب: هكذا نرى عهد «إنهاء الحروب»

على بُعد شهرين من صعود إدارة جديدة في الولايات المتحدة، تسود الحيرة الأوساط الغربية في شأن طاقم قادم يضم عتاة صهاينة أميركا، وآخر راحل يصر على «تجاهله القاسي للفلسطينيين»، من ناحية، و«عدم تحركه مع حلول الموعد النهائي الذي كان قد حدّده بنفسه لإسرائيل، لزيادة كمية المساعدات الإنسانية الضئيلة» إلى غزة تحت طائلة تعرّضها لعقوبات. وفي ذلك رأت صحيفة «الغارديان» البريطانية مؤشراً إلى أنّ الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدن، «أهدر فرصته الأخيرة للسير في الخيار الصحيح والأخلاقي عبر المساعدة في إنهاء حرب غزة قبل فوات الأوان، فيما يعكف في المقابل على تعزيز إرثه كالطرف المسهّل الأساسي لاستمرار تلك الحرب»، علماً أن الرجل بات «متحرّراً» من أي ضغوط سياسية أو اعتبارات انتخابية، عقب حسم «رئاسيات أميركا» في غير صالح مرشحة حزبه كامالا هاريس.

بين ترامب ونتنياهو: تفاهمات ما قبل التنصيب؟
وبالحديث عن آفاق ما تروّج إسرائيل له بوصفه «حلّاً سلمياً» للحرب في لبنان، كشفت صحيفة «واشنطن بوست» أنّ وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، أبلغ، خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، الرئيس الجمهوري المنتخب، دونالد ترامب، وصهره جاريد كوشنر، أنّ إسرائيل «تحثّ الخطى للدفع نحو وقف إطلاق النار في لبنان». وبحسب ثلاثة مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين اطّلعوا على نتائج مباحثات ديرمر، وتحدثوا إلى الصحيفة، فإنّ الهدف من الاندفاعة الإسرائيلية إلى التسوية يتعلق بالسعي إلى «منح إدارة الرئيس (الأميركي) المنتخب مكسباً على صعيد السياسة الخارجية».
ومع الإشارة إلى التوافقات بين ترامب ونتنياهو، حول عدد من القضايا الإقليمية، والتي تجليها دعوة الأول، الأخير، إلى «القيام بما عليه القيام به ضد حزب الله وحماس»، رغم تعهده لناخبيه لاحقاً بـ«إنهاء الحروب» في الشرق الأوسط، كشفت الصحيفة الأميركية، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، أنّ «رئيس الوزراء الإسرائيلي كان يعدّ الخطط للتعامل مع (احتمالات) قيام عهد جديد في واشنطن، قبل وقت طويل من موعد الانتخابات الرئاسية، ولا سيما أنه كان على تواصل منتظم مع ترامب، في وقت كان فيه مستشاره ديرمر على اتصال دائم بكوشنر»، مضيفة أنّ توجه ديرمر للقاء ترامب في منتجع «مار إيه لاغو» في فلوريدا، كمحطة أولى في جولته الأميركية التي بدأت الأحد الماضي، قبل انتقاله إلى واشنطن للاجتماع ببايدن وكبار مسؤولي إدارته، يُعد «علامة ليس فقط على مدى سرعة انتقال مركز الثقل السياسي داخل الولايات المتحدة، بعد النصر الانتخابي لترامب، بل أيضاً على مدى رهانات نتنياهو على نتائج تلك الانتخابات، وحرصه على ضبط استراتيجيته بما ينسجم مع قدوم الإدارة الجديدة».

«واشنطن بوست»: نتنياهو يراهن على أن اللحظة السياسية المؤاتية لتحقيق اختراق في الوضع الإقليمي قد أتت


وأشارت «واشنطن بوست» إلى أنّ نتنياهو، الذي لطالما اتهمه منتقدوه بمحاولة إطالة أمد الحرب لصون بقائه السياسي، «يراهن على أن اللحظة السياسية المؤاتية لتحقيق اختراق (في الوضع الإقليمي) قد أتت». ومع ذلك، أقرّ مصدر إسرائيلي مسؤول، للصحيفة، بوجود «تفاهم» بين ترامب ونتنياهو على أن يقدّم الأخير للأول «شيئاً ما» على صعيد السياسة الخارجية بحلول موعد تنصيبه في كانون الثاني المقبل، مرجّحاً أن يكون محور هذا التفاهم هو الوضع في لبنان. لكنّ مدير العمليات السابق في الجيش الإسرائيلي، والمقرّب من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، إسرائيل زيف، الذي وافق على أن «نتنياهو كان في طور انتظار قدوم ترامب، ليقدّم له صفقة من هذا النوع»، استدرك بأن «ذلك الانتظار ترتّب عليه دفع أثمان»، في إشارة إلى استعادة حزب الله عافيته الميدانية في الأسابيع الأخيرة. وفي الصورة الأعم، دعا زيف رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أن «يراعي عنصر التوازن بين أهواء الرئيس الأميركي المنتخب، الذائع الصيت بمواقفه السياسية المتقلبة، والحسابات المتعلقة بالأمن القومي» لواشنطن، ولا سيما أنّ «كل نفوذ (يمتلكه نتنياهو داخل الإدارة الأميركية الجديدة) إنما يستمدّه من ترامب».

حرب لبنان بين عهديْن أميركييْن
وفي السياق نفسه، نقلت «واشنطن بوست»، أيضاً، عن فرانك لوينشتاين، الذي شغل منصب المبعوث الأميركي لشؤون المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية خلال عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، قوله إنّه «لا يوجد لدى نتنياهو أي ولاء لبايدن، بحيث سينصب جام تركيزه على خَطب ود ترامب». وإذ أوضح لوينشتاين أنّ الرئيس الأميركي المنتخب، وبالاستناد إلى سجلّه خلال ولايته الأولى، «لن يتردّد (منذ الآن) في التصرّف وكأنه الرئيس الفعلي (للولايات المتحدة) حين يرى فرصة سانحة» لإبرام اتفاق ما في قضية من القضايا الإشكالية، فهو اعتبر ما أُشيع عن لقاء ديرمر بالمستشار الرئاسي، عاموس هوكشتين، خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، مؤشراً إلى أنّ «نتنياهو ربما يسعى خلف التوصل إلى اتفاق مؤقت (مع لبنان) في ظل إدارة بايدن الحالية، على أن يُترك أمر إبرام التسوية النهائية إلى حين تسلّم ترامب سدة الرئاسة، بحيث ينسب الفضل إلى الأخير في إتمامها»، مؤكداً أنّ «الشيء الوحيد الذي يكترث لأمره نتنياهو أكثر من ترامب هو وضعه السياسي في الداخل الإسرائيلي».
وفي الإطار نفسه، أضافت الصحيفة، نقلاً عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أن نتنياهو «لا يزال منخرطاً في العمل مع الإدارة الحالية للبحث في عملية وقف إطلاق النار في لبنان»، كاشفة أنّ «كل الجهد المتعلق بالاتفاق المحتمل، والذي لا يزال قيد المتابعة من قبل فريق بايدن، يحرز تقدماً». وحول الدور الروسي المفترض في أي اتفاق من هذا النوع، اعتبر لوينشتاين أنّه «قد يصح القول إنه لا دور للروس حالياً (حول مباحثات وقف إطلاق النار مع لبنان) تحت حكم بايدن، إلا أنّ دوراً كبيراً سيناط بهم فور تولي ترامب منصبه». أمّا في ما يخص حزب الله، فقد قال زيف إنّ «إسرائيل يساورها الاعتقاد بأن القوة القتالية لعدوها قد ضعفت إلى حد قبوله للتسوية معها»، معتبراً أنه «في حال موافقة حزب الله على الصفقة، فإنها ستدخل حيز التنفيذ فوراً، وبسرعة كبيرة، رغم التوقعات بأن محاولات انتهاكها ستكون فورية أيضاً».
من جهتها، حذّرت صحيفة «نيويورك تايمز» من أنّ ارتفاع وتيرة القصف الجوي الإسرائيلي للبنان، والمترافق مع توسيع العملية البرية هناك، «يمكن أن يقوّضا المسار الدبلوماسي الذي دفعت إدارة بايدن إلى تنشيطه أخيراً». وتوقفت الصحيفة الأميركية عند زيارة علي لاريجاني، مستشار المرشد الإيراني، آية الله علي خامنئي، إلى بيروت، معتبرة أنه «لا توجد مؤشرات علنية تشي بأنّ إيران وحزب الله في وارد الانصياع للمطالب الإسرائيلية»، ولا سيما أن الحزب، ورغم ما تلقّاه من ضربات قاسية، لا يزال يشكل تهديداً جديّاً لإسرائيل، من منطلق قدرته على مواصلة إطلاق الصواريخ والمُسيّرات يومياً في اتجاه إسرائيل. ونقلت الصحيفة عن مصادر نسبتها إلى الحرس الثوري الإيراني قولها إن لاريجاني «حمل رسالة من خامنئي في شأن تأييده (مقترحات) وقف الحرب في لبنان، وتحديداً قرار مجلس الأمن الدولي 1701، ودعم إيران لحزب الله لإعادة بناء قواته، وانطلاقه في مسار التعافي من تبعات الحرب». وفي المقابل، أوضح أمير أفيفي، وهو جنرال إسرائيلي متقاعد، أن أهداف إسرائيل من توسيع نشاطها العسكري في لبنان ترتبط بعاملين أساسيين، الأول رغبتها في «القيام بالمزيد من أنشطة تدمير منشآت حزب الله العسكرية» داخل الجنوب اللبناني، والثاني «وجود قناعة لديها بأن شن عملية هجومية أوسع نطاقاً يمكن أن يجبر التنظيم على الموافقة على تسوية ضمن شروط أكثر ملاءمة لتل أبيب».

خضر خروبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *