إسرائيل تستفرد بمعتقلي غزة: نحو أحكام إعدام جماعية
تسعى وزارة القضاء الإسرائيلية إلى صياغة قانون جديد يشمل إجراءات تشريعية سريعة، تحاكم عبره آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة، والذين اعتقلوا أثناء عملية «طوفان الأقصى»، وعقب الاجتياح البري للقطاع، ويُحتجزون في منشآت تفتقر إلى شروط العيش الآدمي الأساسيّة. ويستهدف القانون الجديد تغيير أنظمة الاعتقال والتحقيق والمحاكمة المتبعة حالياً، وذلك بدعوى «الصعوبة في جمع الأدلة وتوثيقها إثر الوضع الميداني»، وفقاً لما كشفته صحيفة «يديعوت أحرونوت». ويعني ما تقدّم أن القانون سيحاكم فلسطينيين لا أدلّة كافية على «تورّطهم» في الهجوم، ويكفي أن يكونوا قد تواجدوا يوم السابع من أكتوبر في مستوطنات «غلاف غزة»، أو اعتقلوا من القطاع أثناء الاجتياح البري، من دون أن يعرفوا حتّى ما هو سبب اعتقالهم.ووفقاً للصحيفة، فإنّ واحدة من الصعوبات التي يتعامل معها القانون المذكور، هي الصعوبة في تحديد الجهة التي تقف وراء مقتل كل واحد من القتلى الإسرائيليين، وخصوصاً أن عدداً من التحقيقات الاستقصائية المنشورة في وسائل إعلام عبرية، فضلاً عن شهادات «ناجين» من الهجوم، أثبتت أن سلاح الجو والمدفعيّة الإسرائيليَّين شاركا في قتل إسرائيليين، تطبيقاً لأوامر بتنفيذ «إجراء هنبعل» وإن بصورة غير مباشرة. وبحسب تلك التحقيقات، فقد أطلقت أجهزة الأمن الإسرائيلية النار على كل من عادوا من «غلاف غزة» إلى القطاع، حتى لو كان من بينهم أسرى إسرائيليون، فيما أكدت شهادات ضباط نُشرت سابقاً في موقع «واينت» أن سلاح الجو أغار في 7 تشرين الأول، على 300 هدف جُلها في «الأراضي الإسرائيلية». ومن بين الإفادات اللافتة في هذا السياق، واحدة لياسمين بورات، التي هربت من حفل «نوفا» الصحراوي، واختبأت في أحد البيوت في «كيبوتس بئيري»، حيث احتُجزت داخل منزل مع مقاتلين من «القسام» وعشرات الإسرائيليين، ثم نجت من الموت بعدما سلّمها مقاتل من «القسام» لقوات الأمن الإسرائيلية، التي أطلقت بدورها قذائف مدفعية على المنزل، وقتلت كل من كان في داخله بمن فيهم الإسرائيليون المحتجزون، وفقاً لبورات.
وبالعودة إلى القانون الجديد، فمن المفترض أن يتطرّق إلى مسألة ما إن كان سيُتهم جميع المعتقلين الفلسطينيين من غزة، بكل ما حدث في السابع من أكتوبر، وذلك قبل أن يحدد طبيعة الهيئة القضائية التي من المنتظر أن تنظر في قضايا المعتقلين، وما إن كانت محكمة مركزية عادية، أم محكمة عسكرية أو محكمة خاصة. وبالرغم من أن عقوبة الإعدام قائمة في القانون الإسرائيلي أساساً، إلا أن القانون الجديد سيشمل عقوبة الإعدام بشكل خاص. وبحسب المعلومات، فإن هذا القانون الجارية صياغته، اتُخذ القرار بشأنه بالتنسيق بين مسؤولين كبار في وزارة القضاء، ورئيس لجنة القانون والدستور في «الكنيست»، سيمحا روتمان، الذي يرأس أيضاً لجنة فرعية لـ«الكنيست» شُكّلت خصيصاً بهدف النظر في محاكمة المعتقلين الفلسطينيين من غزة. وفي هذا الإطار، نقلت الصحيفة عن روتمان قوله إن «الواقع الذي ينبغي فيه تعديل تشريعات القوانين الموجودة من دون حسم سياسي واضح حول وجهتنا، لا يؤدي إلى الحل الأفضل».
وطبقاً للتقديرات، فإنّ إعداد القانون الجديد وسنّه ليصبح نافذاً بعد التصويت عليه في القراءات المختلفة في «الكنيست»، سيستغرق نحو شهرين. وفي المقابل، نقلت الصحيفة عن مسؤولين كبار في المنظومة القضائية قولهم إن «المحاكمات ستجري فقط بعد انتهاء الحرب على غزة فقط»؛ إذ «طالما يوجد مختطفون في غزة، فإن إسرائيل ليست معنية بعملية من شأنها عرقلة احتمالات إعادتهم». كما أن إسرائيل «متخوّفة من أن يؤدي ذلك إلى تصعيد من الجانب الفلسطيني، وأيضاً من منظمات حقوق الإنسان في أوروبا وغيرها». وفي وقتٍ سابق، صادقت الهيئة العامة لـ«الكنيست» على تعديل قانوني آخر يسلب معتقلي غزّة حق تمثيلهم من قبل الدفاع العام في إسرائيل، من دون أن يطرح بديلاً لتمثيلهم. وأتت هذه المُصادقة بالرغم من معارضة المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، غالي بهاراف- ميارا، ووحدة الدفاع العام في وزارة القضاء للتعديل المذكور، انطلاقاً من أن «من شأنه أن يضر بالشرعية الدولية للإجراءات القضائية ضد الناشطين».
وكان قدّم مشروع القانون المُعترض عليه، روتمان، فيما وقّع عليه رئيس لجنة الخارجية والأمن، يولي إدلشتاين، من حزب «الليكود»، ورئيس لجنة الأمن القومي، تسفي فوغلمان من حزب «عوتسماه يهوديت»، ورئيس لجنة الداخلية، يعقوب آشير من «يهودية التوراة»، وعضو «2الكنيست» مَتان كهانا من حزب «المعسكر الوطني».
وبحسب المشروع، يُعدّل قانون الدفاع العام، والقانون الجنائي، بحيث يجرّد معتقلو غزّة من التمثيل من جانب الدفاع العام، بادعاء أن «محامي الدفاع العام لن يكون مرتاحاً لتمثيل معتقلين في قضايا (7 أكتوبر)»، علماً أن القانون القائم ينصّ على أن الدفاع العام ملزم بتمثيل متهمين بارتكاب مخالفات خطيرة في حال عدم وجود محام خاص لديهم.
وفي وقتٍ سابق، أعلنت وحدة الدفاع العام أنها «ليست جاهزة لتمثيل ناشطي حماس»، محذّرة في الوقت نفسه من «تشريعات تؤدي إلى عدم حصول الكثيرين من هؤلاء على حق التمثيل القضائي أبداً»؛ إذ نقلت صحيفة «هآرتس» عن مسؤولين في الوحدة المشار إليها قولهم إن «المشكلة في مشروع القانون هي أنه يتحدث عما يحظر فعله، من دون أن يطرح ما يمكن فعله (بديلاً)». وبالتالي فإن التقديرات في وزارة القضاء هي أنه «سيكون من الصعب جداً» القيام بإجراءات قضائية ضد معتقلي غزة من دون أن يتوفر تمثيل قانوني لهم، وخصوصاً أن المشروع يتناقض مع مبادئ أساسية في القضاء.
كذلك، رأت وحدة الدفاع العام أن ثمة صعوبة أخرى تنبع من أن القضية تُطرح عبر مشروع قانون شخصي وليس حكومياً، وهو ما تطرقت إليه أيضاً بهاراف-ميارا، مشيرةً إلى أنه «يجب أن يكون موضوع التمثيل أمام المحاكم في إطار تسوية شاملة لقضية محاكمة ناشطي حماس في إسرائيل». واعتبرت أن المشروع الذي يسلب المعتقلين حق الدفاع عنهم، «يمس بترجيح رأي الدفاع العام كهيئة مستقلة»، لافتةً إلى «تخوف من أن يؤدي إلى تدهور في النظام القضائي؛ إذ إن هذه هي المرة الأولى التي يطرح فيها تعديل قانوني يسلب مجموعة معينة خدمات الدفاع العام».
المصدر:”الأخبار”